بقلم - عبد اللطيف المناوي
وصلتنى رسالة من صديق تحمل سؤالًا: ما هذا العبث؟، ومعها تصريحات السيد يحيى زكريا، رئيس شركة «مصر للطيران»، والتى أثارت ردود فعل غاضبة لمَن قرأها عن بيع 12 طائرة من «إيرباص A220-300». قال، لـ«بلومبرج»، إن البيع تم بسبب عدم ملاءمة الطائرات «للظروف المناخية»، وإن العائدات ستُستخدم لسداد قرض شرائها.
من حق الناس أن تشعر بالانزعاج والغضب عند قراءة مثل هذه الأخبار دون أن تفهم. وحق الفهم هنا ليس تدخلًا، لا سمح الله، في حق الإدارة، لكنه ينطلق من مفاجأة التفاصيل غير المفسرة، وبالتالى تبدو للناس مثيرة للتساؤل والشك والاتهام بـ«العبث».
لم أتبنَّ الموقف الغاضب. قررت محاولة الفهم. ماذا حدث؟، ولماذا؟. نشترى طائرات «كثيرة»، ونتخلص منها بعد فترة قصيرة لنسدد بثمن بيعها القرض الذي اشتريناه بها. وما يلى نتيجة محاولة الفهم.
في 7 سبتمبر 2019، احتفلت «مصر للطيران» بأولى طائراتها من «إيرباص A220- 300»، التي وصلت إلى مطار القاهرة من مقاطعة كيبيك بكندا. الصفقة تضمنت شراء 12 طائرة توالى وصولها حتى يونيو 2020.
رئيس «مصر للطيران» صرح وقتها: «نفخر بكوننا أول شركة طيران في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والسادسة على مستوى العالم، التي تُشغل طائرات A220 ضمن أسطولها». وأضاف أنها «واحدة من بين الطائرات الأكثر تطورًا وابتكارًا».
تمر مياه كثيرة في النهر، أحد التعبيرات الأدبية التي تعجبنى، ونصل إلى مفاجأة التصريح بمخطط التخلص من الطائرة، التي كانت «من أكثر الطائرات تطورًا وابتكارًا». والحقيقة هي أنه لم يخطئ وقتها، إذ إن ما نُشر عن الطائرة وقتها في المواقع المتخصصة وصفها بأنها تتميز «بكفاءة عالية في استهلاك الوقود، وراحة عالية للركاب، (…)، وبها أحدث محركات توفر وقودًا بنسبة 20% على الأقل».
إذن، ماذا حدث؟. بمراجعة ما نُشر في المواقع المتخصصة في صناعة الطيران نكتشف أن عيوبًا بدأت تظهر في تصميم محرك الطائرة، ليس فيما يختص بالأمان، ولكن بالكفاءة التي ادّعاها مُصنِّعوها. وقررت شركات طيران إيقاف تشغيل هذا النوع بسبب مشاكل في محركاتها.
على قدر ما فهمت، فإن المشكلة تكمن في أنه كان من المفترض أن تخضع المحركات للصيانة بعد 5260 هبوطًا أو رحلة «Landing»، ولكن بسبب عيوب تصميم المحرك، تحتاج للصيانة قبل أقل من 1000 هبوط.
المفاجأة أنه نُشر منذ عام أو أكثر في تلك المواقع المتخصصة أنه حتى مايو من العام الماضى أوقفت شركة مصر للطيران سبع طائرات من طراز A220، البالغ عددها 12 طائرة، لنفس السبب.
أظن أنه لو كلف المسؤولون أنفسهم بشرح قراراتهم لوفرنا قدرًا محترمًا من اللبس نتيجة عدم الوضوح.
حق المعرفة هو حق أصيل للمواطن، حتى لو غضب المسؤول من طرح التساؤلات، وألّا نكون قد قصرنا في التزامنا نحو أهلنا وأنفسنا.