بقلم - عبد اللطيف المناوي
وكأن فصول تاريخنا الحالى قررت أن تكون فصولًا منفصلة غير متصلة، يلغى كل منها الآخر، أو يلقى بستائر «النسيان» عليها، ولو بشكل جزئى.
نحن الآن نتابع ونتحاور ونختلف حول الحرب فى غزة، كلٌ منا يقول رأيه أو مقترحه للخروج من الأزمة، نوجه سهام النقد لمن نتصور أنه يتخاذل، ونحيى ونرفع صورة من يتضامن بالقول أو بالفعل إلى السماء. نقاطع المنتجات، ونمجد أو نذم أبوعبيدة. نبحث عن ملحن أغنية (تحيا فلسطين)، ونتحدث عن «البطيخة» الفلسطينية وكيف صارت رمزًا بديلًا للعَلَم، ثم ننبش فى ذكريات الماضى لاستخراج بعض أبطال فلسطين القدامى، لوضعهم كصور حسابات مواقع السوشيال ميديا، أو على جدران المنازل.
نحن الآن لا نتذكر إلا فلسطين، وننسى شعبًا عربيًّا آخر يعانى من الحرب، وهو السودان، الذى اقترب فعلًا من هاوية لا يعلم أحد مداها أو منتهاها. تراجعت أخباره فى الصحف والمواقع، حتى صارت نشرات الأخبار تأتى وتذهب دون خبر واحد عنه، وكأنه الفصل الذى انفصل عن تاريخنا هذه الفترة.
السودان المنسى يمر الآن بمرحلة فى منتهى الخطورة، حيث احتلت قوات الدعم السريع مدينة «مدنى»، وهذا يُعد نقطة تحول فارقة فى الأزمة السودانية؛ لأنها تؤدى إلى مزيد من العمليات القتالية فى محاولة من قوات الدعم السريع لاحتلال مزيد من المدن طالما سقطت «مدنى» وهى مدينة كبرى بهذه السهولة، دون أى رد فعل عالمى أو عربى.
قوات الدعم السريع استطاعت أن تشل- ولو جزئيًا- مدنًا واقعة فى شرق وشمال السودان، ما قد يتيح لها احتلالها، وبالتالى يتحقق ما تحدث عنه قائد قوات الدعم السريع فى إحدى تغريداته على منصة «إكس» منذ أيام، بقوله إنه يسعى لتكوين حكومة تأسيسية.
هذا السيناريو الذى تحدث عنه قائد الدعم السريع يعنى عمليًّا تقسيم البلاد، وفق منطق القوة والسيطرة، لا سيما فى ظل مواجهات مستمرة ومتجددة مع الجيش السودانى فى كل مناطق السودان تقريبًا، كذلك فى غياب واضح للتغطية الخبرية أو حتى التضامنية.
بالتأكيد نتحدث عن جرائم حرب تُرتكب ضد الأشقاء الفلسطينيين فى غزة، دون حديث عن جرائم حرب أيضًا تُرتكب ضد الأشقاء السودانيين، وقد وثقت الأمم المتحدة العديد من تلك الجرائم، وتزايد الحديث على الساحة عن جرائم اغتصاب النساء كإحدى الصور الوقحة للحرب هناك، وللأسف أيضًا فى غفلة عن العالم.
ما يحدث فى السودان حاليًّا يجعل من السهولة إمكانية انفجار الأحوال بصورة كاملة لتصبح هناك ولايات خارج سيطرة الدعم السريع أو الجيش السودانى، وهنا يبدأ سيناريو تجزئة السودان، وما يستتبعه من انتشار للإرهاب والأمراض والفقر، ليذهب البلد الذى كان يُسمى «سلة غذاء العالم» إلى مصير لا يعلم به إلا الله وحده، وأيضًا فى غفلة منا جميعًا، فتذكروه ولا تنسوه.