بقلم - عبد اللطيف المناوي
لم يظهر الحوثيون فى اليمن من فراغ، بل إن التهميش الذى عانت منه مناطق الزيديين، الذين يشكلون نحو ٤٠ فى المائة من سكان اليمن، هو الذى دفع إلى وجود هذه الظاهرة، التى بدأت بالتشكل تحت اسم «الشباب المؤمن»، كان ذلك فى تسعينيات القرن الماضى، واتخذوا من المذهب الزيدى عقيدة فكرية. كان الهتاف الأول لهم خلال صلوات الجمعة فى المساجد: «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل»، وهذا ما جعل السلطات تتعامل معهم ببعض الهدوء، وحتى مَن تم القبض عليه فإنه أُطلق سراحه سريعًا. جسّد هؤلاء أفكارهم فى حزب سياسى باسم «حزب الحق»، بل خاضوا انتخابات سنة ١٩٩٣، وحازوا مقعدين فقط، ومع ازدياد الأمريكان فى المنطقة، بعد احتلال العراق، وجدت حركة «الشباب المؤمن» أرضًا خصبة لنشر فكرها، كما أنها وجدت الحاضنة الإيرانية المتنامية، التى تعادى أصلًا أمريكا، فبدأت تعمل أكثر وأكثر على الأرض مدفوعة بدعم طهران الكبير.
اتسع نطاق نشاط الحركة لتشمل تقديم خدمات اجتماعية وتعليمية، فضلًا عن الترويج لمعارضة حكم الرئيس اليمنى الراحل على عبدالله صالح. فى عام ٢٠٠٤ تحولت الحركة لأول مرة إلى تنظيم مسلح يواجه القوات الحكومية، ثم قُتل حسين الحوثى ليخلفه شقيقه الأصغر عبدالملك فى القيادة، وهنا صار التحول أكبر وأعنف، حتى فى الاسم لأنهم غيروه من «الشباب المؤمن» إلى «أنصارالله».
ظلت الحركة فى صراع شرس مع حكومة صالح، حتى جاءت رياح ما سُمى «الربيع العربى» فى المنطقة، فازدادت الحاضنة، وانتقلت عدوى التظاهرات إلى اليمن، فوجدوا فى كثير من المواطنين العاديين ظهرًا آخر وقوة أخرى جعلتهم يفرضون السيطرة على أجزاء كبيرة فى اليمن، مما جعلهم طرفًا فى المعادلة السياسية اليمنية، وعضوًا فى الحوار الوطنى هناك. وبعد سقوط نظام صالح، كانت السلطة قد دانت لهم كثيرًا، ومثّل هذا السقوط فرصة لتعزيز موقعهم ونفوذهم فى اليمن، خاصة بعد أن تحول بعض أنصار عدوهم اللدود صالح إلى مناصرين لهم من الناحية العسكرية.
زحف الحوثيون على العاصمة صنعاء، واحتلوها، ثم حاصروا القصر الجمهورى، وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه هادى وأعضاء الحكومة، الذين استغاثوا بدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لتصحيح الأوضاع، أو فرض الشرعية من جديد. ومع دخول أطراف أخرى فى الصراع، ومن أهمها السعودية بالتحديد، زادت إيران فى دعمها لجماعة «أنصارالله» أو «الحوثيين» كما سموا أنفسهم، نسبة إلى زعيمهم. بدأت الحرب واستمرت لسنوات، دون فائز أو منهزم، وبدأ التفاوض بين السعودية، قائدة الحملة التى سُميت فى البداية «عاصفة الحزم»، وفى النهاية التقى الجانبان، فى حضور وسطاء من عمان، فى العاصمة اليمنية، صنعاء، التى صار يسيطر عليها الحوثيون، لينتهى الفصل الأهم فى تاريخ الحركة، وهو شبه الاعتراف الإقليمى بها كحركة سياسية عسكرية تقف على حدود السلطة.
ولكن مَن يتحمل مسؤولية هذا الاعتراف، الذى ستتبعه بالتأكيد مخاطر شديدة؟. هذا ما سنعرفه فى سياق حديث آخر.