بقلم - عبد اللطيف المناوي
أزعم أن هناك حربا باردة جديدة ميدانها هو ساحة الفضاء الإلكترونى، وأطرافها أمريكا من جانب، والعالم كله من جانب آخر، أما سلاحها الأكثر حضورا فهو الذكاء الاصطناعى.
التقرير الذى نشرته جريدة التليجراف منذ أيام يؤكد على ذلك، لا سيما أنه تحدث عن قلق حقيقى فى واشنطن من تنامى استخدام الذكاء الاصطناعى فى المنطقة العربية.
قد يندهش القارئ من هذه المعلومة، فقد تعودنا فى سرديات الحروب الأمريكية على أعداء مثل الاتحاد السوفيتى فى الحرب الباردة، أو الصين فى النزاعات السياسية والاقتصادية الأخيرة، لكن أن يكون عدوها هو الوطن العربى، فهو أمر ربما يثير التساؤلات.
حتى إنه أثار دهشة كاتب تقرير التليجراف نفسه، ذلك لأن تاريخ المنطقة مع التقدم التكنولوجى ليس مشرفا، ففى الوقت الذى تم اعتماد الطباعة فيه فى كل مكان على وجه الأرض، تم حظرها فى المنطقة العربية لمدة 200 سنة تقريبا، فضلا عن زيادة القيود فى كثير من الدول العربية على تداول المعلومات والوثائق والأرشيف الرقمى.
لكن، المتابع العادى للتكنولوجيا هذه الأيام سيشهد زيادة كبيرة فى استخدام تعبير الذكاء الاصطناعى، حتى إنه صار الموضوع الأبرز فى كل المؤتمرات التى تخص كل المجالات، بداية من التكنولوجيا باعتباره المجال الأول للذكاء الاصطناعى، مرورا بالإعلام بكل تأكيد، وصولا إلى مجالات الطب والتصنيع والتسليح.
وأعتقد أنه خلال الشهور الثلاثة الماضية أقيم فى القاهرة أكثر من مؤتمر ومنتدى رفع شعار الذكاء الاصطناعى، بل إن أول المؤتمرات التى ستنعقد بعد أيام تدور المناقشات فيه حول تطوير صحافة الموبايل باستخدام الذكاء الاصطناعى.
وبالعودة إلى تقرير التليجراف فنجد أن أبرز ما يثير قلق الأمريكان هو تفكير الكثير من البلاد العربية فى تطوير استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، حيث إن طموحات دول كثيرة فى المنطقة فى هذا القطاع أثارت مخاوف، خاصة بين مسؤولى الأمن القومى فى واشنطن العاصمة.
وقد ذكر التقرير مثالا مهما فى هذا النشاط وهو مثال شركة G42، والتى تعتبر من أكثر الشركات نموا فى العالم العربى، وهى إماراتية وتعمل فى مجال الذكاء الاصطناعى، إلا أن ما يقلق المسؤولين فى الولايات المتحدة منها هو الشراكة التى بينها وبين الصين، العدو التقليدى لأمريكا. إذ يكمن القلق الأمريكى من أنه يخشى من تعاون صينى عربى فى تطوير تقنيات هذا المجال والذى من شأنه أن يتيح التعامل مع البيانات المتعلقة بالمواطنين الأمريكيين، عن طريق لغات خوارزمية أكثر تطورا.
لقد قامت أمريكا بالفعل بتضييق الخناق على إمدادات معالجات الجرافيك عالية الأداء، والتى تستخدم لتشغيل خوارزميات الذكاء الاصطناعى، من خلال فرض قواعد ترخيص أكثر صرامة للرقائق التى يتم إرسالها إلى الشرق الأوسط.
قد يكون هذا الإجراء هو أحد الأسلحة التى تستخدمها أمريكا فى تلك الحرب، والتى من المتوقع أن تكون أكبر فى الأيام المقبلة.