بقلم - عبد اللطيف المناوي
عدت مبكرًا ولم أرغب فى الاستسلام لحصار دراما وإعلانات رمضان. وقررت أن أستغل فرصة وجودى وحدى فى البيت لأقرر ماذا أشاهد. راجعت قائمة الأفلام المتاحة واخترت فيلمًا عنوانه «هاتشى: حكاية كلب». لم أكتشف أننى شاهدته منذ أكثر من عشر سنوات إلا بعد مرور ساعة!
فى إحدى الليالى وأثناء عودة البروفيسور أوينو، قام بدوره ريتشارد جير، إلى بيته صادفه كلب صغير فى محطة القطار، فيأخذه معه إلى بيته، اعتنى به وارتبط به. نشأت علاقة، لا أدرى لماذا نصفها إنسانية، بين البروفيسور والكلب حتى بدأ الكلب توصيل البروفسيور لمحطة القطار، وينتظره عند عودته من العمل أمام باب محطة القطار يوميًّا.
فى أحد الأيام لا يعود البروفيسور بسبب نزيف دماغى تعرض له فى الجامعة أدى إلى وفاته، إلا أن «هاتشى» لم يقلع عن عادته فى انتظار صديقه أمام باب المحطة يومًا بعد يوم فى انتظار عودته، واستمر على هذا الحال عشر سنوات متتالية حتى لفت انتباه الكثير من المارة فى المحطة وانتشرت قصته.
الفيلم عن قصة حقيقية حدثت فى طوكيو عن بروفيسور فى كلية الزراعة بجامعة طوكيو الإمبراطورية (حاليًّا اسمها جامعة طوكيو) عام 1924 اقتنى كلبًا من سلالة هاتشيكو النادرة، وقد أولى الكثير من العناية بالجرو ذى البنية الضعيفة، حيث جعله ينام تحت سريره وأصبحا يتناولان الطعام معًا، واستمرت القصة كما فى الفيلم الذى اتخذ اسم الكلب، وهناك عدة آراء حيال سبب إطلاق اسم «هاتشى» على الكلب، أحدها يقول إن الطرفين الأماميين للجرو كانا يشبهان «حرف ثمانية (هاتشى) باللغة اليابانية» عندما يقف الكلب.
فى عام 1932 نُشر مقال فى صحيفة طوكيو أساهى (الآن صحيفة أساهى) بعنوان «حكاية الكلب العجوز المحبوب». وما إن كتب «إن الكلب ينتظر بفارغ الصبر منذ 7 سنوات عودة سيده الراحل»، إلا وأصبح هاتشى فجأة علمًا داخل البلاد وخارجها.
أعرب الكثيرون عن تعاطفهم واهتمامهم بهاتشى الذى بات يتقدم فى السن وبدأ جسده يضعف، حتى أصبح موظفو محطة القطار التى ينتظر سيده الراحل فيها (شيبويا)، يعتنون به. ونشرت الصحف والإذاعات ووسائل إعلام أخرى تقارير عنه، ومع ازدياد شهرته ارتفعت أصوات سكان المنطقة مطالبة بتشييد تمثال برونزى لهاتشيكو. وبالصدفة فإن غدًا 8 إبريل يصادف اليوم الذى تقام فيه مراسم تذكارية سنويًا لهاتشيكو خارج المحطة.
أظن أننى اخترت المشاهدة لتوقعى ما سوف يحمله الفيلم من قيم وفاء وارتباط ونبل ندرت فى حياتنا فأصبحنا نبحث عنها فى كائنات أخرى غير البشر، أو فى قصص مثل قصة «هاتشى» التى تنتهى بدموع، ما زلنا كرجال شرقيين، نحاول إخفاءها حتى لو كانت تطهر النفس.
«سأنتظرك، بغض النظر عن الوقت الذى سأقضيه منتظرًا»، هذه العبارة تلخص حكاية «هاتشى».
فكم «هاتشى» فى حياتنا؟!.