بقلم - عبد اللطيف المناوي
كان الناس يتابعون باهتمام وأسى عداد الشهداء والجرحى فى غزة، وأيضًا عدد أيام الحرب هناك التى تعدت الـ160 يوما. أظن الأمر بات مختلفا الآن بشكل واضح. فقد اعتاد الناس على صور الدمار والقتل والدماء، اعتادوا مشاهد الأطفال الذين ينزفون أو يموتون جوعا وعطشا، لو سلمت أجسادهم من قذائف الجيش الإسرائيلى. لم يعد لعدد الأيام ذلك الاهتمام الذى كان.
هنا لا أوجه انتقادًا لأحد، لكنى أتحدث عن طبيعة بشرية. لكن السؤال هنا: هل ذات الوضع ينطبق على الداخل؟ أقصد أهل غزة؟ هل باتوا أيضا لا يهتمون بعدد أيام الحرب؟ الأكيد الإجابة سلبا، بل عكسية. الألم يزداد، المعاناة تتفاقم، الدم لا يبرد لحظة مع عمليات القتل المستمرة. وتتضاءل فى أعين الناس هناك كل الآمال، إلا أمل البقاء على قيد الحياة. وتوقف استمرار الفقد للأحباب قتلا أو جوعًا.
الجوع الآن أصبح هو الضيف الدائم لأهل غزة، بل الكابوس المستمر، الذى يحتل تفاصيل حياتهم، ولا أحتاج إلى استحضار صورة ما يحدث بالتأكيد، فهى تسكن شاشات الأخبار ومنصات السوشيال ميديا، يستطيع أن يراها من يملك القدرة على ترك دراما رمضان ومحاولة متابعة ما يحدث.
ما أثار كثيرا من الحزن والألم فى نفسى، وأظن نفوس كل من طالعها، هى تلك التى يحتشد أو يتدافع فيها الآلاف من أهل غزة ليحصلوا على كيس أبيض يحتوى على «خمسة كيلو طحين» كما قالت السيدة الغاضبة المنكسرة، وهى ترفع كيس الطحين فى يدها صارخة: «الناس جاعت، الناس بدها تموت. على خمسة كيلو طحين بيقتلوا العالم». ويقول أحد الذين نجحوا فى الحصول على الطحين: «اليوم، حصلت على 5 كيلو من الدقيق، وسأستخدمها لإطعام أطفالى الأربعة الذين لم يتناولوا الخبز الأبيض منذ 40 يومًا».
هذا الطحين يأتى تحت وطأة النيران الإسرائيلية، بدأ الفلسطينيون فى شمالى قطاع غزة الحصول على الدقيق، بشكل منتظم ضمن المساعدات الإنسانية التى دخلت المناطق الشمالية للقطاع، لأول مرة مطلع هذا الأسبوع منذ أكثر من أربعة أشهر.
ويقوم برنامج الأغذية العالمى التابع للأمم المتحدة باستخدام مقر أونروا الرئيسى (منطقة الصناعة) بتوزيع 5 كيلوجرامات من الدقيق (الطحين) على كل عائلة وفق الهويات بشكل مبدئى لحين إدخال المزيد من الكميات. وتأتى هذه الخطوة فى وقت يعانى فيه شمال القطاع من مجاعة حادة أسفرت حتى الآن عن عشرات الوفيات غالبيتهم من الأطفال.
لا أدرى إن كانت القيادات الفلسطينية المنشغلة هذه الأيام بالخناقات حول الحكومة الجديدة متفاعلة مع ما يحدث من كارثة حقيقية أم لا؟!!. ولا أدرى أيضًا إن كانت قيادات حماس تشاهد هذه المشاهد أم لا؟!! وهل يعتبر حصول عائلة على خمسة كيلو طحين هو انتصار ينسب للحركة أم لا؟!!.