بقلم - عبد اللطيف المناوي
ودَّعنا عامًا حمل قدرًا كبيرًا من التناقضات والمفاجآت، لا أعتقد أن أيًا من قارئى فنجان المستقبل أو الباحثين فى البلورة المسحورة أو حتى النصابين من الفلكيين كان يتوقعه.
=
لا أستطيع القول إن كان كله خيرًا أو عكس ذلك، وهنا أقصد على المستويين الشخصى أو العام.
بدأنا العام والاحتمالات المنطقية، لا الفلكية، تتوقع أن تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة من التجميد النسبى لمشكلاتها وأزماتها. وبدا أن أكثر من قوة إقليمية تتجه لسياسة «زيرو مشاكل»، فرأينا تركيا تتحرك فى اتجاه تخفيف وطأة، أو حل، مشكلاتها وتوتر علاقاتها مع أطراف عدة. أما إيران فقد بدأت تبحث عن رسائل تطمينية تطمئن بها جيرانها، وتحاول معهم البحث عن تواصل مع أوروبا والخليج.
وبدأت إسرائيل سنتها الماضية بأحلام تطوير علاقاتها مع الدول العربية التى لا تجمعها بها علاقات دبلوماسية، أملًا منها فى أن تتحول إلى جزء مقبول من الجسد العربى. فقد طورت علاقاتها بالدول الخليجية جميعها تقريبًا، سواء بعلاقات كاملة أو جزئية، فى الحد الأدنى كان تواصل إسرائيل بدول الخليج فوق مستوى المتوقع إلى درجة أطلق عليها البعض غزلًا سياسيًا مع جميع العرب تقريبًا.
وفى ليبيا، رغم عدم بدء الانتخابات فى نهاية عام 2022، إلا أن ذلك لم يقتل الأمل فى الوصول إلى تهدئة فى الأوضاع الداخلية لإيجاد وسيلة لبدء مرحلة جديدة. وفى السودان، كان الجدل والحراك مستمرين من أجل الوصول إلى طريق يعيد إلى السودان حالة استقرار مستحقة مفقودة منذ عقود.
ومع بداية أسابيع العام الماضى بدأت تسقط آمال الاستقرار والحلول واحدًا تلو الآخر، فاشتعلت المنطقة بالعديد من الأزمات، ورغم عودة العلاقات الإيرانية- السعودية إلا أن عداوة الإيرانيين مع المجتمع الدولى ازدادت فى جوانب أخرى، خصوصًا مع ارتباط اسمها بهجوم حماس الكبير، ومع أزمة باب المندب الأخيرة. تركيا غرقت فى بحر من الأزمات الداخلية، التهبت المنطقة بأزمات اقتصادية نتيجة عدم التعافى الكامل من أزمة كورونا، وكذلك استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، التى صنعت أزمة كبيرة فى توريد الغذاء عبر العالم.
وقد جاء السابع من أكتوبر ليزيد من مآسى العام، فنفضت إسرائيل عباءة الحمل الوديع الراغب فى أن يكون جزءًا فى الوطن العربى، واختفت عبارات الغزل العفيف للدول العربية، وصار العدوان على غزة لا إنسانيًا، بل يذهب بكل أعراف الصداقة أدراج الرياح.
المنطقة التى حاولت أن تصل إلى «زيرو مشاكل»، خلال العام الماضى، صارت البؤرة الأكثر التهابًا فى العالم أجمع مع نهايته، وربما يستمر الاشتعال أيضًا فى العام الذى بدأناه منذ ساعات قليلة. ولكن التمنيات والأحلام والدعوات لن تتوقف فى أن تخف وطأة الاشتعال أو أن تنطفئ جذوتها حتى ننعم بعام هادئ قليلًا عن الأعوام السابقة.