مشروب الحلومر، هو أحد أهم وأشهر المشروبات بمائدة الإفطار السُّودانية على مر العصور، إلا أن المشروب الرمضانى الأشهر والأحب لدى السودانيين اختفى هذا العام. دمرت الحرب البلد، ومازالت، ومعها تمحو تفاصيل حياة البشر.
للأيام نكهة، وللمناسبات تفاصيل ترتبط بها. هذه أحد مظاهر إنسانية الحياة، وهذه ملامحها ومتعتها أيضًا. وعندما تغيب المظاهر والملامح فإن هذا دلالة على أن الحياة بدأت تفقد قيمتها عند من يعيشونها.
ندخل رمضان وكثير من أشقائنا افتقدوا الإحساس به. اختفت من حياتهم التفاصيل التى ارتبطت بقدوم الشهر الكريم لأن ما يواجهونه أفسد عليهم الحياة وبات التحدى الأكبر البقاء أحياء.
تعددت المجتمعات والشعوب العربية التى استقبلت رمضان وهى تواجه القتل والدماء والفقد والجوع والتشريد والنيران فوق الرؤوس. نيران من أعداء، ونيران ممن يعتبرون أشقاء، أعماهم الجوع والتعطش للسلطة والثروة.
غزة تعانى وتنزف ويموت أطفالها وكبارها جوعًا وقتلًا، يقتلهم ويجوعهم عدو قرر أن يتجاوز فى الانتقام فسكنته شهوة القتل والتدمير ومشاهد التطهير العرقى. بينما قادتهم، أى الفلسطينيين، مازالوا يتباحثون فى تشكيل حكومة تقود ما بعد الخراب.
وصباح اليوم السابع والخمسين بعد المائة للحرب، أول يوم رمضان، أفادت وزارة الصحة فى القطاع عن 67 قتيلًا و106 جرحى سقطوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
لم يهدأ القتال ولا القصف المدفعى والغارات الجوية حتى فى وقت السحور فى قطاع غزة المهدّد بالمجاعة، واستمرت أعداد القتلى فى الارتفاع مع وصول العشرات منهم إلى المستشفيات.
ورغم تكرار الدعوات إلى وقف الحرب، مازالت إسرائيل تتمسك بخطتها لاجتياح مدينة رفح الجنوبية، حيث يتكدّس 1.5 مليون من النازحين فى ظروف كارثية.
ما يلى بعض ما نُسب لمسؤولين ومواطنين:
«عشرات الأطفال يتوفون أسبوعيًا بسبب سوء التغذية والجفاف من دون أن يصلوا المستشفيات»
«لا يوجد أصلًا طعام، فكيف سنفطر فى رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء والأسوأ لا شىء على مائدة السحور أو الفطور فى خيام النازحين المنكوبين».
«رمضان حزين جدًا هذا العام.. لا طعم له. حرب قذرة ودموية، حرب إبادة، ولا طعام ولا شراب».
والسودان تودع قتلاها على أيدى أبناء جلدتهم، لا يعرفون من أين القتل قادم، لكنهم يعرفون أنه على يد سودانى آخر المفروض أنه شقيق.
كل الأطراف المتصارعة فى السودان تتنافس فى أمرين. الأول التأكيد على رغبتها فى وقف القتال، والثانى الاستمرار فى القتل والقتال. ويدور تبادل الاتهامات بين الطرفين كتبادل القصف بينهما أيضًا. كل العالم يدعو لوقف القتال إلا أبناء البلد، أو بعض منهم، لا يقبلون إلا بالدم فطورًا لهم إن كانوا صائمين.
أسهمت الحرب السودانية فى اختفاء مشروب الحلومر، ولم يبق منه إلا المر.