بقلم - عبد اللطيف المناوي
فى البداية أود أن أصحح رأيًا تبنيته فى مقال أمس عندما وصفت المؤتمر بأنه «كان مونولوجًا أوروبيًّا غربيًّا بامتياز. غابت الأطراف الأخرى» لأن هذا الرأى إن كان ينطبق على اليوم الأول وعلى الحرب الأوكرانية، لكن الأمر تغير فى اليومين التاليين، حيث كانت غزة حاضرة ومثار جدل وأخذ ورد. أيضًا الصين كانت لها جلسة مهمة لوزير خارجيتها، وانغ يى، ألقى فيها كلمة بعنوان: «الصين فى العالم»، شرح فيها مقترحات الصين بشأن بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية و«عالم متعدد الأقطاب متساوٍ ومنظم». ولكن لم يتغير الوضع بخصوص أوكرانيا، التى غردت منفردة بقيادة رئيسها «زيلينسكى»، فتحدث فى جلسة رئيسية، منفردًا، مكررًا مطالبه باستمرار الدعم الغربى والهجوم على بوتين، وجلسات عديدة مضمونها «لا بديل إلا الانتصار وهزيمة بوتين» دون صوت آخر.
أما ملف الحرب فى غزة بين إسرائيل وحماس فقد تصدر المشهد، إذ ركز عدد من القادة والمسؤولين السياسيين خلال مداخلاتهم على سبل بلوغ اتفاق لإنهاء الحرب المستمرة والدفع فى اتجاه إنجاح المفاوضات المتعثرة والوصول إلى حل شامل.
وسأتوقف، اليوم، أمام مشهدين يتعلقان بغزة. الأول عندما تحدث سير ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطانى، واستعرض فى كلمته أهمية إيجاد حلول ونزع فتيل الأزمات فى مناطق الصراع فى العالم. وعندما استطرد شارحًا أشار إلى بؤر الصراع بقدر من التفصيل، ولم يتوقف أمام الوضع فى غزة. عند فتح باب النقاش وجّه محمد شفيق جبر، رجل الأعمال المصرى، سؤالًا إلى «كاميرون» ربط فيه بين تصريح «كاميرون»، منذ أسابيع، بدعم بلاده لقيام دولة فلسطينية ووعد بلفور، الصادر أيضًا عن وزير خارجية بريطانيا عام 1917، وسأله «جبر» عما إذا كان يمكن اعتبار هذا التصريح بمثابة «وعد كاميرون». الغريب هو تلك الحالة من الارتباك، التى بدَت فى إجابته عن السؤال، والتى ظهر فيها ما يبدو أنه تقليل من سقف التوقعات حول تصريحه، وبدا الأمر كأنه تراجع أو تحجيم لما قصده. أحد المراقبين علق بأنه استقبل اتصالات غاضبة من أطراف عدة دفعته إلى عدم البناء على تصريحه. وفى هذا السياق أشير إلى تلك الحالة الواضحة من النفاق الغربى واستجداء الرضا الإسرائيلى لمواقفهم، لجميع مَن تحدثوا إلا القليل.
ومن هذا «القليل» ذلك الجدل الذى وقع بين ألكسندر دى كرو، رئيس وزراء بلجيكا، وتسيبى ليفنى، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة. كانت حادّة فى كلمتها، ونددت بالمنظمات الدولية العاملة فى غزة، وطالبتها بالتوقف عن دعم ما سمته «الإرهاب». ورد رئيس وزراء بلجيكا بغضب وحِدّة، مؤكدًا أن بلاده سوف تستمر فى دعم العمل الإنسانى ودعم «أونروا»، وأنهم يعلمون تمامًا أين تُنفق الأموال. حدة الإجابة يبدو أنها فاجأت «ليفنى»، فحاولت تهدئة الحديث.
ولـ«ليفنى» موقف آخر مع سامح شكرى، وزير الخارجية، سنتناوله فيما بعد.