بقلم - عبد اللطيف المناوي
وصلنى فيديو قصير من صديق يسألنى عن خلفياته، باعتبارى فى دافوس. ويُظهر الفيديو رجلًا يلقى كلمة خاصة فى الاجتماع السنوى للمنتدى الاقتصادى العالمى 2024، ويقول باللغة الإنجليزية: «أنا أُقدر المنتدى الاقتصادى العالمى، الذى أتاح لى الفرصة أن أكون على هذا المسرح، وأقول: تبًّا لك كلاوس شواب وتبًّا للنظام العالمى الجديد»، ليظهر بعدها مشهد لكلاوس شواب، الرئيس التنفيذى للمنتدى، وإلى جانبه الرئيسة الفيدرالية السويسرية فيولا أمهيرد جالسين على المسرح، ويتابع الرجل كلامه قائلًا: «نحن الشعب وُلدنا أحرارًا، وسنبقى أحرارًا. وأنت وكل أصدقائك المؤيدين للعولمة وجميع الحاضرين فى هذه القاعة تبًّا لكم». وأخيرًا يُشاهَد «شواب» و«أمهيرد» يغادران المسرح. لم أحتج إلى وقت طويل للتأكد أن هذا الفيديو مفبرك، فلو حدث مثل هذا الموقف فى القاعة الرئيسية، وفى وجود هؤلاء الأشخاص، لكان الحدث الأهم هنا. لكن المثير أن صديقى سأل عن أبعاد القصة، ولم يسأل عما إذا كانت صحيحة أم مفبركة، وكذلك منصات التواصل الاجتماعى التى تداولت الفيديو باعتباره حدثًا حقيقيًّا.
هذا أحد المخاوف التى سيطرت على المشاركين فى المنتدى الاقتصادى العالمى، باعتبار أن هذه القدرة الهائلة لبرمجيات الذكاء الاصطناعى تخلق ما يبدو أنه حقيقة لا تقبل الشك، بينما هو وقائع ووثائق وصور وفيديوهات مفبركة بتقنية عالية جعلت أحد المسؤولين يحكى أنه حاول أن يتذكر متى صرح بتصريح شاهده فى فيديو له، قبل أن يكتشف أنه مفبرك.
فى تحول ملحوظ عن السنوات السابقة، برز الذكاء الاجتماعى (AI) كموضوع مهيمن، وذى أولوية، فى نسخة هذا العام من المنتدى، وحظى هذا الملف الذى تم الحوار والنقاش حوله تحت عنوان «الذكاء الاصطناعى قوة دافعة للاقتصاد والمجتمع» بحوالى 30 جلسة من المناقشات المباشرة، ولكن ما أستطيع قوله بثقة أن موضوع الذكاء الاصطناعى شارك تقريبًا فى كل الجلسات، بل اللقاءات الجانبية. حالة من المشاعر والمداخل المتناقضة فى التعامل مع هذا الموضوع، التخوف والتوجس والأمل، بعضها أو كلها فى آن واحد. فى النسخ السابقة من المنتدى، امتلأت طرق دافوس ومركز المؤتمرات وعناوين الجلسات فى سيطرة شبه تامة لمسألة «العملات المشفرة»، التى بدا فى وقت ما أنها القادم ليغير وجه الاقتصاد فى العالم بأغنيائه وفقرائه. هذا العام أتى الذكاء الاصطناعى ليدفع بالعملات المشفرة إلى خانة الموضوعات الأقل أهمية.
فى جلسة أدارها كلاوس شواب، الرئيس التنفيذى للمنتدى، مع ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذى لـ«مايكروسوفت»، سأله فى نهايتها: ماذا يقول لحفيده، ذى الأعوام العشرة، عندما يسأله: ماذا يدرس ليكون كبيرًا فى مجال الذكاء الاصطناعى؟. أجابه «ساتيا»: «دعه يدرس أى شىء، ثم يبحث كيف يستفيد من الذكاء الاصطناعى».
الموضوع أكبر وأخطر وأهم من أن نتعامل معه دون جدية. والحديث حوله مستمر فى مرات عدة.