بقلم:عبد اللطيف المناوي
«السعادة» كلمة تشغل بال الإنسان منذ أن بسط سطوته على الأرض، شغلت بال فلاسفة اليونان، الذين اعتقد البعض منهم أنها غاية أخلاقية للحياة، إذ يؤكد أفلاطون مثلًا فى «الجمهورية الفاضلة» أن الأخلاقيين وحدهم هم مَن يكونون سعداء بحق.وقد بلغت درجة تقديس القدماء المصريين للسعادة أن جعلوا للنكتة إلهًا، وزوجوها لإله الحكمة، كما ناقش المفهوم كذلك «إخوان الصفا» فى أسفارهم، وهى عند ابن سينا غاية البشر، ورادَف مصطلح السعادة مصطلح «الحظ» فى الكثير من اللغات الأوروبية.
المفهوم ذاته ناقشته الفنون والآداب، ودخلت كلمة «السعادة» فى الكثير من الأغنيات المصرية القديمة، ومنها المونولوج البديع «صاحب السعادة»، الذى كتبه أبوالسعود الإبيارى وغناه إسماعيل يس، والذى يسأل فيه عن مفهوم السعادة، باعتبار إن «كلنا عايزين سعادة.. بس إيه هى السعادة؟». وأجاب الإبيارى فى المونولوج: «ناس قالوا لى إن السعادة للنفوس.. حاجة سموها الجنيه»، أى أن السعادة فى المال، وأضاف فى مكان آخر بالمونولوج: «ناس قالوا لى إن السعادة فى الغرام»، أى فى الحب.
المال أم الحب أم الأخلاق أم الحظ؟. كل هذه اجتهادات لأفكار وفلسفات حاولت أن تصل إلى مفهوم «السعادة»، وهو مفهوم يستحق البحث، خصوصًا أن الإنسان يلجأ إلى السعادة لاستعادة اتزانه فى أوقات المحن والأزمات. والمصريون ليسوا بعيدين عن هذا الأمر، فقد استخدم المصريون منذ القدم سلاح الضحكة والنكتة فى مواجهة كل الصعوبات الحياتية، خاصة الاقتصادية والسياسية.
يُقال إن المصريين القدماء اعتقدوا أن العالم خُلق من الضحك، فحين أراد الإله الأكبر أن يخلق الدنيا أطلق ضحكة قوية فظهرت السماوات السبع، وضحكة أخرى فكان النور، والثالثة أوجدت الماء، إلى أن وصلنا إلى الأخيرة خلق الروح، وظهرت فى البرديات رسوم كاريكاتورية وعلى قطع الفخار أيضًا تنتقد الأوضاع السياسية والاجتماعية احتفظت بها متاحف العالم، واستخدم المصرى القديم الحيوانات للسخرية من خصومه السياسيين، فهناك صورة فيها فئران تهاجم قاعة للقطط، والفئران تمتطى العجلة الحربية، وتمسك الحِراب والدروع حاملة السهام والأقواس، أما القطط فترفع أيديها مستسلمة. وقصد المصريون القدماء أن يمثلوا الهكسوس بالفئران هم وغيرهم من الغزاة، أما القطط فترمز إلى حضارة شعب مصر.
كثيرة هى الأزمات التى مرت على المصريين، وكثيرة هى لحظات السعادة التى عاشوها، سواء كانت شخصية تدور فى فلك المنزل الواحد أو الغرفة الواحدة، أو كانت عامة جماعية فى المجتمع كله، وأتمنى أن تزداد تلك اللحظات، وأن يستمر المصريون فى محاولة البحث عن سعادتهم، ولو بمحاولات صغيرة فى أشياء تبدو بسيطة.