بقلم - عبد اللطيف المناوي
راجعت، اليوم، تاريخ صداقتى معه، فاكتشفت أنها تجاوزت الأربعين عامًا. لم نتوقف خلالها عن النقاش وتبادل الآراء. ولم يختلف الأسلوب سواء كان فى قمة السلطة أو مناضلًا من أجل أفكار يؤمن بها، حتى لو كانت ضد كل التيار. أحمد قذاف الدم، الذى كان المسؤول الأول عن العلاقات بين بلديه، ليبيا ومصر، ظل اهتمامه بالشأن العام كما هو، مع تأصيل تاريخى للأحداث الراهنة.
من بين ما تبادلنا من أفكار رؤيته لمرور 75 عامًا على إنشاء حلف الأطلسى. وقد وجدت فيها ما يستحق أن أشارككم فيه، قراءة مختلفة مع تأصيل لجزء من التاريخ الذى شارك فى صنعه. واستأذنته فى ذلك.
«احتفل حلف الأطلسى بالذكرى الـ75 لإنشائه بعد الحرب الكبرى للدول المنتصرة، وعددها 12 دولة حينها، ووصل الآن إلى 32 دولة».
قام الاتحاد السوفيتى بتشكيل حلف وارسو، وأعدت الصين نفسها. وبعد ثورة عبدالناصر، تواصل مع نهرو، رئيس وزراء الهند وقتها، وجوزيف تيتو، رئيس جمهورية يوغوسلافيا، وآخرين لبناء تجمع لحركة، سموها
«عدم الانحياز»، ضمت أكثر من ثمانين دولة، واختاروا أن يكونوا قوة لها احترامها.
تم إسقاط حلف وارسو، وكان يشكل تهديدًا حقيقيًّا للأطلسى أو رادعًا له. وكان ينبغى أن يسقط مبرر حلف الأطلسى فى زمن السلام، ويحل العدل والمساواة بين الأمم والشعوب. وإذا به ينشط ويتوسع من جديد، بل يسعى ليحاصر ما تبقى من وارسو من خلال أوكرانيا والسويد ويطوق الصين لزعزعة «التنين»، مما أعاد العالم إلى أجواء الصدام المسلح.
ما يهمنا الآن أين نحن من كل ذلك؟، هل نتقسم بين هؤلاء، ونصبح وقودًا لهذه المعارك؟، هل نقاتل بعضنا البعض، وهذا بدأت إرهاصاته بالفعل، أم نلم شعثنا مع أمم كبيرة ومحترمة ليست طرفًا، ونُعيد تنظيم ما يشبه عدم الانحياز؟.
فى آخر قمة لعدم الانحياز حضرها القذافى فى فنزويلا، وصلها قادمًا من نيويورك، بعد خطابه الذى انتقد فيه الهيمنة والاستكبار واحتقار الأمم الضعيفة واحتكار القرار والفيتو عند مجموعة من الدول فى مجلس الأمن، طالب بتطوير المنظمة، وأن تكون لها ذراع عسكرية تدافع عنها، سماها «الساتو»، فى مواجهة «الناتو». وقال: «نحن دول الجنوب علينا ألا نتوقف فى منتصف الطريق فى هذا العالم المجنون الذى يموج بالطغيان».
تحدث يومها عن حلف اقتصادى، ومقعد دائم له حق الفيتو لعدم الانحياز وإفريقيا لخلق توازن يخدم السلام العالمى. تم الاتفاق على القمة القادمة فى ليبيا. للأسف، قطعت صواريخ حلف الأطلسى الطريق عن انعقاد هذه القمة عندما قصفت رتل القذافى فى سرت 2011.
يقول الشاعر العراقى مظفر النواب:
«أنا لا أقول نبوءةً إن الكبار تفاهموا.. لكن أقول نبوءةً إنّا وضعنا أول الذبحى بقائمة الصغارِ».
أكيد أن الأفكار والقيم لا تموت. وسيأتى مَن يكمل هذا الطريق المُعبَّد بالتضحيات والدماء والدموع والأمل.
انتهت رسالة أحمد قذاف الدم.