بقلم - عبد اللطيف المناوي
من أخطر الأمور التي لاحظناها في حرب غزة هي تلك المتعلقة بنقل الأحداث من داخل القطاع على منصات التواصل الاجتماعى، أو حتى الكتابة عن الحرب، فأطل علينا موقع «فيس بوك» بخوارزمياته المُحدَّثة ليحاصر كل المحتوى الخاص بانتقاد المجازر الإسرائيلية، وعرض الفيديوهات التي تبثها حركة حماس من استهداف قوات الاحتلال أو رشقات الصواريخ، التي يطلقونها على المدن الإسرائيلية المتاخمة للقطاع،
حتى صار مجرد ذكر اسم فلسطين أو إسرائيل أو غزة محفزًا لإدارة الموقع وغيره من مواقع السوشيال ميديا كفيلًا لإطلاق تحذيراتها لحجب المحتوى وتقييد وصوله، أو حجبه مباشرة، وقد تصل العقوبة من تلك المواقع إلى الحرمان من الكتابة لفترة.
ولهذا يتحايل الكثيرون على المسألة الخوارزمية تلك باستبدال حرف السين العربى الموجود في فلسطين وإسرائيل بالـ«S»، وكذلك مع حرف الزاى في غزة، وتحويله إلى الحرف الإنجليزى «Z».
ولم تقتصر حيلة الرموز على الحروف فقط، بل أيضًا على ما هو أكبر، فعَلَم فلسطين هو الآخر ممنوع من النشر على تلك الوسائل، كما أنه ممنوع من الرفع في التظاهرات، لذا يستبدله المدونون والمتضامنون بشرائح البطيخ، ذات الألوان الأحمر والأسود والأبيض والأخضر، وهى نفسها ألوان مكونات «البطيخ»، الذي بات رمزًا لفلسطين الآن، ويمكن رؤيته في عدد لا يُحصى من منشورات وسائل التواصل الاجتماعى، بل في أنحاء العالم كله وأثناء المسيرات المؤيدة للفلسطينيين، والرافضة للعدوان.
رمزية التشابه بين ألوان مكونات البطيخ (القشرة الخضراء والداخل الأحمر والبذور السمراء والبيضاء) وألوان العَلَم الفلسطينى قديمة، وليست وليدة عدوان إسرائيل الأخير، فبعد حرب 1967، سيطرت إسرائيل على غزة والضفة الغربية، وحظرت حمل الرموز الوطنية مثل العَلَم الفلسطينى في جميع أنحاء الأراضى المحتلة، وبما أن حمل العَلَم أصبح جريمة، بدأ الفلسطينيون برفع شرائح البطيخ بدلًا من العَلَم.
وفى عام 2007 رسم الفنان الفلسطينى خالد حورانى لوحة لكتاب «الأطلس الذاتى لفلسطين»، وكانت اللوحة عبارة عن شريحة بطيخة حمراء، وسافرت تلك اللوحة، التي تحمل عنوان «قصة البطيخ»، حول العالم كله.
وقبل حوالى سنة واحدة، رفع الفلسطينيون مرة أخرى البطيخ في وجه فرمان وزير الأمن القومى الإسرائيلى، إيتمار بن غفير، بإزالة الأعلام الفلسطينية من الأماكن العامة، ووصف التلويح به بأنه «دعم للإرهاب». في عالم افتراضى وحقيقى يُمنع فيه رفع العَلَم الفلسطينى، انتشرت رسوم البطيخ في كل أنحاء العالم، حتى إن الفنانة الكوميدية البريطانية المسلمة، شوميرون نيسا، قامت بإنشاء فلاتر للبطيخ على «تيك توك»، وشجعت متابعيها على إنتاج مقاطع فيديو باستخدامها، وتعهدت بتقديم جميع العائدات للجمعيات الخيرية التي تدعم غزة.
في هذا العالم ذى الخوارزميات، والذى يحظر مجرد التعبير عن الرأى، هناك ألف طريقة للوصول إلى ما نريد، فقط نفتش عن الرموز.