بقلم - عبد اللطيف المناوي
الاتهامات المتبادلة بين فتح وحماس تحمل فى طياتها حقيقة الأزمة التى يعيشها الفلسطينيون، والأزمة هنا أن مشكلتهم الكبرى هى قياداتهم على مختلف التوجهات. حماس اتهمت السلطة بانفصالها عن الواقع، وبأنها تسببت فى فجوة كبيرة بينها وبين الشعب الفلسطينى وهمومه وتطلعاته.
وهم على حق بالمناسبة.
أما السلطة فقد اتهمت حماس بأنها منفصلة تمامًا عن الواقع، ولا يهمها الشعب الفلسطينى بقدر مكاسبها هى، وأن معظم قيادات الحركة لم يروا فلسطين، ولا يعرفون عنها إلا المعلومات الموجودة على الإنترنت. وقد وصفت السلطة ما قامت به حماس فى السابع من أكتوبر بالمغامرة، التى قادت إلى نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة عام 1948.
وهم أيضًا على حق.
إذن الطرفان على حق، فمَن المخطئ؟. مَن البعيد فعليًا عن الواقع؟، مَن الذى لا يعرف شعبه فيهما؟.
تلك الأسئلة تدور فى ذهنى وفى أذهان الكثيرين ممن يتابعون الحالة الفلسطينية الحالية، بعد أن كلف الرئيس الفلسطينى محمود عباس مستشاره الاقتصادى، محمد مصطفى، بتشكيل حكومة جديدة. حماس انتقدت هذه الخطوة من دون التشاور معها، واصفة إياها بمحاولة الاستئثار بمقاليد الحكم وترسيخ لانقسام الشعب الفلسطينى، فيما عبّرت فتح عن استهجانها لانتقادات حماس، ووصفها ما حدث بالتفرد والانقسام، وقد هاجمت السلطة هجوم السابع من أكتوبر الماضى، واعتبرته تفردًا هو الآخر وانقسامًا ومغامرة أدت إلى كارثة.
وزادت السلطة فى ردها على حماس بأن الحركة لم تشاور القيادة الفلسطينية وهى تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات، متهمة قياداتها بأنه لا هدف لهم سوى أن يتلقوا ضمانات لأمنهم الشخصى، واعتبرت السلطة أن الأولويات التى حددها تكليف رئيس الوزراء الجديد، محمد مصطفى، هى أولويات الشعب الفلسطينى الذى يريد إعمارًا لما تهدم، ويريد حياة مستقرة قليلًا، واصفة أن رئيس الوزراء المكلف مُسلح بأجندة وطنية، لا أجندات زائفة لشخصيات تعيش فى فنادق (سبع نجوم) لم تجلب إلى الشعب الفلسطينى إلا الويلات.
وقد وضح من رد السلطة أنه متأثر فعلًا بخطوات حماس غير المحسوبة، وقد ننتظر خلال الساعات المقبلة ردًّا آخر من حماس، ينبش فى تاريخ الشخصيات التى تتولى السلطة، وتتحول المعركة قريبًا إلى «خناقة شوارع»، يُظهر كل طرف فيها ما يعرفه عن الطرف الآخر.
الحقيقة أن هذا المشهد العبثى الحالى والمتوقع لا يليق أبدًا بشعب دماؤه مازالت تسيل فى الطرقات، شعب يدفع يوميًّا شهداء من أطفال ونساء وعجائز، شعب صار بدون بنية تحتية أو طعام أو شراب، شعب يعيش على المساعدات الخارجية صعبة المرور.
الخناقة دائرة، وستدور بشكل أعنف خلال الأيام التالية، وربما تتطور إلى مواجهات، مثلما حدث فى السابق، ولهذا ندعو الله أن يحفظ الشعب الفلسطينى من آلة الحرب الإسرائيلية، ومن قياداته، التى تفرغت للانقسام والصراع، وتركته وحيدًا يواجه بقلب مرتعد رصاصات وقذائف الاحتلال.