بقلم - عبد اللطيف المناوي
إفريقيا قارة غنية بالموارد والثروات، هى سلة غذاء العالم نظرًا لما تمتلكه من أراضٍ شاسعة مزروعة بمحاصيل متنوعة. هذه القارة، التى من المفترض أن تكون سعيدة، صارت من أتعس القارات، ليس فقط بسبب كوارث طبيعية موعودة بها من حين إلى آخر، وليس بسبب أوبئة ونقص فى الأدوية وضعف عام فى البنية الأساسية، بل أيضًا بسبب الصراعات السياسية المستمرة فى الكثير من بلدانها.
صدِّق أو لا تصدِّق أن ما تداولته وكالات الأنباء، صباح أمس، عن حدوث انقلاب فى الجابون، هو ثامن انقلاب فى منطقة غرب ووسط إفريقيا خلال ثلاث سنوات فقط، ويأتى بعد نحو شهر من انقلاب حدث فى النيجر!.
لقد أعلن ضباط كبار فى جيش الجابون الاستيلاء على السلطة، بعد إعلان مركز الانتخابات الحكومى فوز الرئيس على بونجو بولاية رئاسية ثالثة، وسط انقطاع كامل للإنترنت عن البلاد، وعدم مراقبة دولية أو قضائية. وظهر الضباط فى مقطع فيديو، وقالوا إن الانتخابات الأخيرة تفتقر إلى المصداقية، وإن نتائجها باطلة، وأعلنوا كذلك أنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع هناك، كما أعلنوا إلغاء نتائج الانتخابات، وإغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، إلى جانب حل مؤسسات الدولة كاملة.
تخيل عزيزى القارئ أن هذا يحدث فى بلد يُعتبر الأكثر ازدهارًا من معظم البلدان المجاورة، حيث نصيب الفرد من الدخل أعلى بأربع مرات من متوسط نصيب الفرد فى بعض دول منطقة وسط إفريقيا، ويعود هذا الأمر فى جزء كبير منه إلى إنتاج النفط، فهو بلد عضو فى منظمة «أوبك» منذ عام 1975، ولديه احتياطيات تُقدر بحوالى 2 مليار برميل من النفط، فضلًا عن أنه ينتج من الغاز حوالى نصف مليار متر مكعب تقريبًا، كما يصل الاحتياطى من الغاز إلى حوالى 26 مليار متر مكعب بحسب التقديرات الأخيرة، وذلك بخلاف أنه مصدر كبير للمنجنيز والحديد والأخشاب نظرًا لاحتوائه على مساحات شاسعة من الغابات، حيث تشكل الغابات الاستوائية نحو 85% من مساحة البلاد.
تخيلوا أن هذا يحدث فى بلد جاذب للسياحة، واحتل فى يوم من الأيام المركز 51 من أصل 144 دولة فى مؤشر السلام العالمى.
ولكن رغم كل هذا، فإن أكثر من 33% من عدد سكانه تحت خط الفقر، كما تبلغ نسبة البطالة به حسب آخر المؤشرات نحو 27%، هو بلد يعانى تداعيات استمرار عائلة بونجو فى الحكم لأكثر من 45 عامًا، وهو كذلك مازال تحت تأثير التدخلات الفرنسية كالعديد من دول القارة.
انتقال عدوى الانقلابات فى دول إفريقيا يشكل تهديدًا كبيرًا على شعوبها، قد تتأثر معه دول أخرى فى العالم، وأعتقد أن مسؤولية ما يحدث فى إفريقيا حاليًا يتحملها الاستعمار، الذى تعمّد أن يترك دولًا لا تستطيع حكم نفسها بنفسها.