بقلم : عبد اللطيف المناوي
قد يبدو أن ربط مصير رئيس أمريكى بسعر البيض نوع من المبالغة، وربما السخرية. لكن عندما تصبح علبة البيض رمزًا لمعاناة الأسر، ومؤشرًا على تصدع الوعود الاقتصادية، فإن القصة أعمق مما تبدو عليه.
فى أمريكا اليوم، لا شىء يثير حساسية الأسر كفاتورة البقالة، ولا شىء يُختصر فيه الغضب الشعبى مثل البيض. هذه السلعة الأساسية، التى لطالما كانت فى متناول الجميع، وصلت فى يناير الماضى إلى نحو ٥ دولارات للدستة الواحدة، أى ضعف سعرها تقريبًا خلال عام واحد.
وبينما يُحمّل ترامب الرئيس بايدن مسؤولية التضخم، مدعيًا أن سياساته الجمركية ستُعيد الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية، تشير أصابع الخبراء الاقتصاديين إلى أسباب أخرى، على رأسها تفشى إنفلونزا الطيور والاضطرابات فى سلاسل التوريد.
تصاعد التحذيرات من «ركود ترامبى» لم يأتِ من خصومه السياسيين فقط، بل من مؤسسات اقتصادية مرموقة. وكالة «أس أند بى» خفضت توقعاتها للنمو بمقدار ٠.٦ نقطة مئوية، مشيرة إلى تباطؤ إنفاق المستهلكين وتردد المستثمرين.
أما «جيه بى مورجان» فقد رفع احتمالية دخول الاقتصاد الأمريكى فى ركود إلى ٣١٪ مقارنة بـ١٧٪ فقط فى نوفمبر الماضى، فى حين يرى «جولدمان ساكس» أن فرصة الركود أصبحت واحدًا من كل أربعة.
ترامب يُعوّل على التعريفات الجمركية كأداة لإعادة هيكلة النظام التجارى العالمى. لكنه فى الوقت نفسه يضع الاقتصاد الأمريكى على حافة الخطر. الرسوم التى فرضها مؤخرًا على كندا والمكسيك، أهم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، تسببت فى موجة ارتباك، زادها قراره المفاجئ بتعليق بعض الرسوم بعد أيام من إعلانها.
هذا التذبذب لا يمنح السوق وضوحًا، بل يخلق حالة من عدم اليقين، تضعف الثقة لدى الشركات والمستهلكين على حد سواء.
وبحسب محللين، قد ترفع التعريفات الجديدة معدل التضخم بمقدار ٠.٧ نقطة مئوية، مما يحدّ من قدرة الاحتياطى الفيدرالى على خفض أسعار الفائدة، ويُطيل أمد الأعباء على الناس.
السياسات التجارية التى ينتهجها ترامب بدأت تنعكس سلبًا على الشركات الأمريكية نفسها.
فى كندا، أُلغيت عقود بملايين الدولارات مع شركات أمريكية، والصين بسبب غضب المستهلكين من تقاطع مصالحها مع السياسات الأمريكية المثيرة للجدل.
ربما لا يهتم ترامب كثيرًا بغضب كندا أو المكسيك، لكن ما يشغله الآن هو غضب الناخب الأمريكى وهو يشترى علبة البيض بسعر مضاعف.
فى بيئة اقتصادية هشة، يصبح البيض، وغيره من الضروريات اليومية، ورقة ضغط حقيقية. فالأسرة الأمريكية، التى وعدها ترامب بتحسين مستوى معيشتها، تجد نفسها اليوم تدفع أكثر مقابل أقل، وتخشى الأسوأ فى الأشهر المقبلة.
البيض لم يكن السبب فى فشل سياسات ترامب، لكنه صار رمزًا لفشلها فى الوصول إلى المواطن العادى. أما ترامب، الذى ربط شرعيته بقدرته على «جعل أمريكا عظيمة مجددًا»، فيبدو اليوم أمام اختبار قاسٍ: كيف يقنع الناخب بأن الألم الاقتصادى جزء من خطة أعظم؟.