بقلم : عبد اللطيف المناوي
يشكل صعود الميليشيات الإسلامية كقوة حاكمة فى سوريا تحولًا جذريًّا فى المشهد السياسى والأيديولوجى فى الشرق الأوسط، وربما العالم كله.
إن سيطرتهم على المشهد تشير إلى إمكانية نشوء معقل جديد للإسلام السياسى، مثلما حدث فى أفغانستان أيام حرب السوفييت، حيث نشأت على أنقاض هذه الحرب حكومة طالبان وتنظيم القاعدة، وكذلك أيام حدوث الفوضى فى العراق وسوريا من قبل، ما أدى إلى سيطرة داعش.
ربما صارت سوريا، التى كانت تُحكم لفترة طويلة من قِبَل نظام عائلة الأسد، مركزًا للحكم من قِبَل جماعات إسلامية، وهى عادة ما تأتى كرد فعل على إخفاقات الأنظمة العلمانية والأنظمة المدعومة من الغرب فى العالم العربى.
ولكى نقترب من الواقع السورى وندرك خطورة ما يحدث الآن، لابد أولًا أن نتعرف على خريطة الميليشيات فى سوريا، حتى وإن قدمت نفسها بشكل مغاير خلال الأيام الماضية.
أول التنظيمات وأشهرها على الأرض الآن هو هيئة تحرير الشام (HTS)، التى تُعد جماعة إسلاموية يقودها أبومحمد الجولانى، (أحمد الشرع)، تأسست فى البداية كجبهة النصرة عام ٢٠١١، وكانت فرعًا لتنظيم القاعدة، وتم دمجها لاحقًا مع عدة فصائل إسلاموية أصغر.
وتشير التقارير إلى أن عدد عناصر هيئة تحرير الشام كان يقدّر بـ(١٠) آلاف مقاتل وفقًا لتقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام ٢٠٢٢، إلا أن هذا الرقم تضاعف الآن من دون إحصائية موثوقة حتى الآن.
ثانى التنظيمات هو جماعة حراس الدين، وتأسست فى فبراير ٢٠١٨، بعد انفصالها عن هيئة تحرير الشام، وأعلنت عن تبعيتها لتنظيم القاعدة، وتنشط جماعة حراس الدين فى المناطق الريفية والبلدات الصغيرة، كما يوجد كذلك تنظيم أحرار الشام الذى تأسس فى عام ٢٠١١، ووصلت ذروة قوته عام ٢٠١٤، ويُقال إنه امتلك نحو ٢٥ ألف مقاتل حينها، وكان يقاتل تحت لواء ما سمى (الجيش الوطنى السورى). وتشير بعض الدراسات إلى أن البعض ينظر لهذا التنظيم تحديدًا على أنه فصيل إسلامى معتدل يمكن استخدامه كجسر بين الجماعات المتشددة والمجتمعات المحلية.
جيش الإسلام كذلك من بين هذه التنظيمات، وهو تنظيم تأسس فى عام ٢٠١٣ عبر اتحاد أكثر من (٤٥) فصيلًا من الجيش الحر، وبلغ عدد مقاتليه ما بين (١٠ و١٥) ألف مقاتل. وهذا التنظيم تحديدًا تم إضعاف قواته بسبب هجمات الروس المستمرة على صفوفه، ما أدى إلى اغتيال قائده، زهران علوش.
كذلك توجد على الأرض السورية تنظيمات شيعية كبقايا عناصر حزب الله اللبنانى الذى أنهكته الضربات الإسرائيلية، وكذلك فصائل أخرى مثل زينبون وغيرها، لكنها ليست بزخم وقوة التنظيمات الإسلامية السُّنية.
هذا هو الوضع على الأرض.. تنظيمات مسلحة بعشرات الألوف، وربما مئات الألوف الآن، كل هذا يمكن له السيطرة واستقطاب آخرين من كل بقاع الأرض، ما يكون له تداعياته وأزماته، التى نناقشها فى مقال آخر.