بقلم - عبد اللطيف المناوي
تحدثنا مرارًا عن كفاءة إدارة الأزمات، وفى كل مرة كان يحدونى الأمل في أن أجد سلوكًا مغايرًا عما اعتدناه من خلل في إدارة أزماتنا، وللأسف في كل مرة يصيبنى الإحباط.
آخر ما استجد على ساحتنا من أزمات- ولن تكون الأخيرة بالطبع- هو ذلك التقرير الفرنسى الجائر، حول حادث سقوط طائرة «مصر للطيران» القادمة من باريس في مياه البحر الأبيض المتوسط، أمام السواحل المصرية في مايو 2016، وهو التقرير الذي لو انتشر وصدقه الناس لكان كافيًا لإغلاق أكبر وأضخم شركات الطيران في العالم.
إن حجم التجاوزات والأخطاء والخلل الذي حمله هذا التقرير لشركة الطيران المصرية كبير، وبشكل يُرهب أي إنسان يقرؤه من مجرد التفكير في السفر على خطوط هذه الشركة.
معروف، ومنذ بداية الحادث، أن المسؤولية الكبرى تقع على الجانب الفرنسى، كون الطائرة قد أقلعت من مطار «شارل ديجول» بباريس، وما تردد من وجود آثار مواد متفجرة في الحطام، وهو الأمر الذي يشير إلى احتمالات اختراق لأمن المطار الفرنسى الأول. وما ذكره الفرنسيون في تقريرهم الذي صدر منذ يومين، من أن الطائرة كانت تحتاج إلى الصيانة، ولم تكن صالحة للإقلاع أو لرحلة الطيران، يمكن قراءته في إطار محاولة التنصل من تحمل التعويضات.
كان الجميع يعرفون ذلك بشكل واضح وظاهر، حتى الفرنسيون أنفسهم، إلا أن التأخر في معالجة الأزمة من الجانب المصرى، واستمرار التحقيقات طوال هذه المدة، فتح الباب لأن تتلاعب الأيادى والضمائر بتقارير جائرة لقلب الطاولة، واستباق أي تقرير قد يحتوى على حقائق تتناقض مع مصلحتهم.
ما أدهشنى هو الرد المصرى المتأخر على هذا التقرير، والذى خرج كذلك مخالفًا لتوقعاتى الشخصية، حيث انتظرت بيانًا من الحكومة المصرية يفند أكاذيب الفرنسيين وادعاءاتهم، ويكشف أن المعركة سياسية واقتصادية في الأساس، لكننى صُدمت ببيان فاتر من وزارة الطيران المدنى، يؤكد أن الحادث مازال خاضعا للتحقيقات في النيابة المصرية، وأن الوزارة «حريصة على عدم الإدلاء بأى معلومات فنية تخص الحادث، نظرًا لإحالة التحقيق إلى النيابة العامة، كونها الجهة المنوط بها حاليا التحقيق في الحادث، ويرجع إليها فيما يتعلق بهذا الشأن». هذا أمر يتجاوز الأمور الفنية والقانونية المحلية، ويرقى لأن يكون أزمة تواجهها الدولة، وكان ينبغى التعامل معها بهذا المنطق.
في النهاية، الضرر وقع على مصر. الضرر أكيد في وقت كنا قادرين فيه على معالجة الأمور بشكل أفضل بكثير، لأننا كنا نمتلك الحقيقة، وكنا نملك من الأدلة والبراهين ما نستطيع من خلاله أن نتحدث للعالم بعين قوية غير مرتعشة، خصوصًا في مرحلة بدأت فيها الحركة السياحية في التعافى.
هم أصدروا بيانًا يحمل مغالطات، ونحن تأخرنا في الرد، بل لم نستطع الرد بقوة، لنقف موقف المتهم، وكأن شركة «مصر للطيران» شركة لا تملكها الدولة المصرية.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع