بقلم : عبد اللطيف المناوي
مع انتشار الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعى، شهدت العلاقات الاجتماعية والشخصية تحولات جذرية، بينما قدمت هذه التكنولوجيا مزايا عديدة مثل التقريب بين الناس فى مختلف أنحاء العالم، إلا أنها أثارت أيضًا العديد من التساؤلات حول تأثيرها على طبيعة العلاقات الاجتماعية.
ليطرح هذا الأمر تساؤلًا مهمًا وهو: هل ساهمت التكنولوجيا فى تقاربنا أم العكس؟
وفقًا لدراسة أجرتها Pew Research Center عام ٢٠٢١، فإن ٧٢٪ من عينة الدراسة قالوا إن وسائل التواصل الاجتماعى ساعدتهم فى البقاء على اتصال مع أصدقا وعائلة لا يعيشون بالقرب منهم، كما أوضحت الدراسة أن ٥٧٪ من المستخدمين شعروا بأن هذه المنصات تقربهم من الأشخاص المهمين فى حياتهم.
كما أتاح ظهور بعض التطبيقات التى تتيح المحادثات، بالفيديو أو بالصوت فقط، التواصل الفورى والمستمر بغض النظر عن المسافات الجغرافية.
وقد ظهرت الحاجة بشكل كبير إلى هذا الأمر فى ظل جائحة كورونا العالمية عام ٢٠٢٠، حيث شهد تطبيق مثل تطبيق (زووم) مثلًا ارتفاعًا فى عدد مستخدميه من ١٠ ملايين فى ديسمبر ٢٠١٩ إلى أكثر من ٣٠٠ مليون فى أبريل ٢٠٢٠، ما يؤكد الدور الحيوى للتكنولوجيا فى الحفاظ على التواصل الاجتماعى فى أوقات العزلة.. أى عكس ما البعض توقع مع طرح السؤال، أو حتى توقع مع قراءة عنوان المقال!.
ورغم الفوائد الواضحة للتكنولوجيا إلا أن الاعتماد المفرط عليها، خصوصًا فى مسألة التواصل، قد أسفر عن تباعد فعلى بين الأفراد.
فى السابق، نتذكر جيدًا قيمة الزيارات العائلية، وقيمة الحضور فى المدرسة أو الجامعة للقاء الأهل والأصدقاء، والحديث لساعات. فى السابق، نتذكر جيدًا قيمة اللقاءات فى المطاعم والمقاهى وفى أماكن العمل.
الآن، المعظم يتحدث بلغة التواصل عن بعد، وهذا له أضرار، أبرزتها دراسة أمريكية عام ٢٠٢٢ من أن ٥٤٪ من المشاركين فى الدراسة شعروا بأن وسائل التواصل الاجتماعى قد أضعفت جودة تفاعلاتهم مع الآخرين، وأن ٤٥٪ من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين ١٨ و٢٩ عامًا اعترفوا بأنهم يقضون وقتًا أقل مع أصدقائهم وجهًا لوجه بسبب الوقت الذى يقضونه على الإنترنت.
هذا بالتأكيد زاد من الأضرار النفسية الناجمة عن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل، من زيادة معدلات القلق والاكتئاب، حيث تم رصد علاقة مباشرة بين قضاء وقت طويل على هذه المنصات والشعور بالعزلة الاجتماعية، وأن الأشخاص الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعى هم أكثر عرضة للشعور بالوحدة مقارنة بأولئك الذين يستخدمونها لفترات أقل.
لن أنحاز لأمر من الاثنين، فأنا من هواة إيجاد توازن بين النقيضين، وهنا أدعو لهذا التوازن بين الاستخدام الفعال للتكنولوجيا والاستخدام المفرط لها، لأن البعيد عن العين ليس بالضرورة بعيدًا عن القلب كما فى زمن المقولة، ولكن هذا البعد يساهم فى أضرار نحن لسنا بحاجة لها.