بقلم : عبد اللطيف المناوي
لست أنا صاحب تعبير «المغامرة المحسوبة»، لكنه خالد مشعل، أحد القادة البارزين الباقين لحركة حماس، بعد اغتيال إسماعيل هنية منذ يومين فى طهران.
لست أنا صاحب هذا التعبير طبعًا لأننى لا أعتبرها محسوبة على الإطلاق، بل هى مغامرة أو مقامرة على حساب ضحايا بسطاء دفعوا ثمن قرار أتت تبعاته على فوهات آلات عسكرية إسرائيلية متجبرة، ساوت الأرض باليابس.
٣٠٠ يوم مرت على المغامرة المحسوبة، وفق تعبير مشعل، ومَن دفع الثمن هم الفلسطينيون البسطاء من سكان القطاع، والذين وقع منهم أكثر من ١٥٠ ألفًا بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ونحو ١٠ آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومُسِنّين، جراء الحصار الرهيب والقصف المستمر الذى لا يرحم أحدًا.
ورغم اعتزام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال دولية فى حق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير جيشها يوآف جالانت لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فإن تل أبيب مازالت تقصف القطاع، بل طال قصفها أكثر من مجرد القطاع، ليشمل دولًا أخرى، مثل اليمن وإيران وسوريا ولبنان.
كل هؤلاء دفعوا ثمن المغامرة المحسوبة!.
المصادر الطبية فى غزة أعلنت ارتفاع حصيلة عدوان الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة إلى ٣٩٤٤٥ شهيدًا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، و٩١٠٧٣ مصابًا، فضلًا عن اغتيال عدد من القادة، ربما فى مقدمتهم إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، ومحمد الضيف الذى أُعلن عن اغتياله مؤخرًا، وغيرهما من قادة الحركة، فيما استُشهد أكثر من ١٥٥ صحفيًّا وصحفية، وتم تدمير ١٠٠ مقر لمؤسسات صحفية، واعتقال أكثر من ١٠٠ صحفى وصحفية، معظمهم ما زال رهن الاعتقال بسجون الاحتلال.
من بين نتائج ٣٠٠ يوم من المغامرة أيضًا تدمير قطاع غزة بنسبة شبه كاملة، ما يضعه فى الفترة القادمة خارج أى معادلة مقاومة للاحتلال، بل تم وضعه فى إطار معادلة إعادة إعمار، وإعادة النظر فى الحكم!. القطاع أُعيد احتلاله- على الأقل فى فترة الحرب- أما بعدها فهناك بالتأكيد واقع جديد، للأسف الشديد إسرائيل هى ما ستقرره، مع مساحة محدودة من ضغط الوسطاء أو الدول والمنظمات الكبرى، الذين بالتأكيد سيعملون أكثر على مسألة الإعمار والإغاثة، وهى أمور تحتاج إلى قوة مالية خارقة أو وصاية خارجية تكرس عملية الفصل الوطنى الجغرافى وتأجيل إعلان دولة فلسطين.
نتيجة مغامرة ٧ أكتوبر هاجر عشرات الآلاف القطاع، بعد الخراب الذى حل به، ومسألة عودتهم تظل فى علم الغيب، مثل حق عودة الفلسطينيين الذين هجروا منذ ٤٨. نتيجة المغامرة أن سارعت إسرائيل فى تحقيق تقدم كبير نحو مشروعها الكبير فى نسف المعاهدات التى أبرمتها مع الفلسطينيين وصولًا إلى أوسلو، وعززت من وجودها الاستيطانى بما تجاوز حتى توقعات المتشائمين.
هذا ما فعلته المغامرة المحسوبة، فماذا لو كانت غير محسوبة يا أخ «أبوالوليد»؟!.