بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى خطوة أثارت جدلًا واسعًا دوليًا، لن يأتى بنتيجة فى الغالب، أقر الكنيست الإسرائيلى قانونًا يمنع نشاط وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» داخل إسرائيل. جاء هذا القرار بعد سنوات من الانتقادات الإسرائيلية المتزايدة للوكالة، التى تأسست عام ١٩٤٩ أعقاب حرب ١٩٤٨ لتقديم الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين الفلسطينيين، بما فى ذلك الرعاية الصحية والتعليم والإغاثة الطارئة. أيد القرار ٩٢ نائبًا ومعارضة ١٠، ما يعكس تغيّرًا فى المشهد السياسى الإسرائيلى إزاء قضية اللاجئين الفلسطينيين.
كانت الوكالة تُعتبر فى البداية منظمة مؤقتة، لكن أصبح وجودها ضروريًا مع عدم تحقق حل دائم لمشكلة اللاجئين. ومع مرور العقود، تطور دور الأونروا لتشمل ليس فقط الخدمات الطارئة، بل أيضًا البرامج التنموية التى تستهدف تحسين مستوى معيشة اللاجئين.
واليوم، تعتبر الأونروا الشريان الحيوى لملايين الفلسطينيين، حيث توفر التعليم لحوالى نصف مليون طفل والرعاية الصحية لما يقرب من ٥.٥ مليون لاجئ فلسطينى فى غزة، الضفة الغربية، الأردن، لبنان، وسوريا.
يعود القرار الإسرائيلى إلى عدة عوامل، أبرزها الخلاف الأيديولوجى والسياسى مع الأونروا ودورها فى الحفاظ على هوية اللاجئين الفلسطينيين وحقهم فى العودة. حيث ترى إسرائيل أن الأونروا تعزز مفهوم «اللاجئين الدائمين» بدلًا من إيجاد حلول دائمة لهم، ما يتعارض مع رؤيتها حول التسوية النهائية للصراع. كما يتهم مسؤولون إسرائيليون الوكالة بأنها توفر بيئة تدعم «أنشطة معادية لإسرائيل»، وفقًا لتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذى دعا لمحاسبة موظفيها بدعوى «التورط فى الإرهاب».
أثار القرار الإسرائيلى موجة من ردود الفعل الدولية؛ فقد عبرت الولايات المتحدة عن «قلق عميق»، كما اعتبر المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن القرار يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولى. كذلك وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، القرار بأنه ضار لحل الصراع ويهدد الأمن فى المنطقة.
عربيًّا، عبّر أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن استنكاره للقرار، مشيرًا إلى أن منع الأونروا يعنى مصادرة مستقبل ملايين الفلسطينيين. وأكد أن وجود الأونروا لا يعود لإسرائيل، بل هو قرار أممى، ما يجعله تحديًا للمجتمع الدولى بأسره.
إذا تم تنفيذ القرار فعليًّا، فإن ذلك سيؤدى إلى انقطاع الخدمات الأساسية لملايين اللاجئين، مما سيزيد من معاناتهم ويؤدى إلى أزمات إنسانية إضافية، لا سيما فى قطاع غزة الذى يعتمد بشكل كبير على خدمات الأونروا.
قرار الكنيست بمنع الأونروا من العمل يعكس توجهًا إسرائيليًا متشددًا تجاه قضية اللاجئين، ويعتبر تحديًا للمجتمع الدولى. وبالنظر إلى أهمية الأونروا كأداة لتحقيق الاستقرار فى المنطقة، فإن المجتمع الدولى يقف أمام مفترق طرق حاسم؛ إما أن يتصدى لمحاولة إسرائيل منع الوكالة من أداء مهامها، أو يترك الملايين من اللاجئين الفلسطينيين عرضة لمزيد من الأزمات.