بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى البداية أردت من العنوان أن أفصل بين الحوثيين، تلك الجماعة المسلحة التى لا يخفى على أحد مصادر تمويلها وداعموها السياسيون والعسكريون، وبين اليمن، هذا البلد السعيد، الذى صار تعيسًا بفعل الأزمات المتلاحقة والحروب التى أفسدت كل ما هو سعيد فيه.
وهذا الفصل لأن قناعتى الراسخة هى أن مصلحة الحوثيين وبقاءهم شىء، ومصلحة اليمن واستقراره شىء آخر، وأن هناك تعارضًا واضحًا بين الاثنتين. وهذا التعارض وضح تمامًا فى اليومين الماضيين، حيث تتجه أحداث الحرب فى اليمن إلى منحى جديد أشد مأساوية مما سبق.
التطورات الأخيرة شهدت وصول مسيرة حوثية إلى تل أبيب، للمرة الأولى، بعد أكثر من نحو ٢٠٠ هجوم حوثى استخدمت فيها الجماعة صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، تم إسقاطها جميعًا بفضل التدخل الإسرائيلى والأمريكى. المسيرة اليتيمة، التى وصلت تل أبيب، أسفرت عن مقتل شخص إسرائيلى، ولكن الأزمة ليست هنا، الأزمة فيما بعد.
فقد شنت إسرائيل ضربة واسعة النطاق على ميناء الحديدة اليمنى باستخدام ما يقرب من ٢٠ طائرة F-١٦ وF-٣٥، فى عملية أطلقوا عليها اسم «اليد الطويلة»، فى عملية انتقامية لا يختلف أحد على توقعها، فماذا تنتظر من إسرائيل تحت قيادة نتنياهو، الذى يريد الحفاظ على رأسه وسمعته حاليًا، سوى الانتقام من أى ضربة، حتى لو كانت ضحيتها خدشًا فى يد مواطن!.
إسرائيل شنت غاراتها، وكانت النتيجة هى حرائق فى ميناء الحديدة، لم يتم إطفاؤها حتى وقت كتابة هذه السطور. صار المئات من أبناء اليمن مستهدفين من طائرات إسرائيل، كل هذا بسبب مسيرة واحدة اختفى مُطلقوها عن المشهد!.
ما حدث مع اختفاء الحوثيين ربما يحدث بشكل يومى فى اليمن، فقد احترقت مدن بأكملها، وسقط الآلاف من القتلى خلال السنوات الماضية، وتلاشت مظاهر الحياة تمامًا، بينما يختبئ قادة الحوثيين، ويغلقون هواتفهم خوفًا من الاستهداف.
لم تكن الخسائر المادية لإسرائيل سوى مؤقتة وقليلة، ويتم تعويضها بسرعة، ما يبرز عجز الحوثيين عن تحقيق تأثير حقيقى يؤثر فى الأمن الإسرائيلى، إذ لم يقتلوا جنديًّا إسرائيليًّا خلال تسعة أشهر من النزاع.
وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك مَن يبارك للهجمات الحوثية، ويصفها بالشجاعة، دون أن يدرك أن هذه الأعمال تتسم بالغطرسة والكذب، ولا تترك تأثيرًا إيجابيًّا يُذكر.
فى ظل هذه التطورات الخطيرة، يبقى السؤال المحورى هو: هل يمكن للحوثيين تحقيق أى تغيير حقيقى فى الواقع الإقليمى، أم أنهم مجرد جماعة تسعى للفت الانتباه بأساليب خطيرة؟.
سؤال مهم كان يجب أن نطرحه منذ زمن، إلا أن هجوم حماس فى السابع من أكتوبر وتبعاته جاء ليطرحه بقوة، هل هذه الجماعات هى مَن تستطيع التأثير فى الوضع الإقليمى؟. السؤال سيظل مطروحًا، مادام آخرون يدفعون الثمن!.