بقلم : عبد اللطيف المناوي
أحيانا تنقلب المأساة إلى ملهاة. وينقلب الحزن إلى ضحك، ولكنه «ضحك كالبكاء».
هذا ما شعرت به تمامًا عندما خرج علينا الكنيست الإسرائيلى بخبر موافقته المبدئية على مشروع قانون يصنّف وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، كمنظمة إرهابية، ويقترح قطع العلاقات معها!.
أى إنسان عاقل يسمع هذا الخبر ربما يشعر ذات الشعور، ويتحول ضيقه إلى سخرية. والحقيقة أن جميع الأخبار الواردة بخصوص الوكالة وتعاملها مع تل أبيب هى ساخرة للغاية. تخيل عزيزى القارئ أن إسرائيل احتجزت فى فبراير الماضى مساعدات قادمة إلى غزة تكفى مليون مواطن، وكانت الأونروا هى من أذاعت الخبر! تخيل أن الوكالة أيضًا وعلى لسان أحد قادتها صرح للإعلام بأنهم أبلغوا إسرائيل بمكان مستشفى، حتى لا يقصفونه، فقصفته القوات الإسرائيلية بشكل معتاد!.
المأساة إذن تحولت بالفعل إلى ملهاة، فهذا التصويت الذى أجرته الحكومة الإسرائيلية هو أحدث خطوة فى الحملة الإسرائيلية على الوكالة، التى يتهمها القادة الإسرائيليون بالتعاون مع حركة حماس فى غزة.
الخدمة الإعلامية فى الكنيست قالت إن مشروع القانون سيُعاد إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع لإجراء مزيد من المداولات، ونُقل عن راعية مشروع القانون يوليا ما لينوفسكى وصفها لـ«الأونروا» بأنها «طابور خامس داخل إسرائيل»!
هذه أيضًا فصول الملهاة الإسرائيلية، التى لا يبدو أن هناك وقتًا لإنهائها.
«الأونروا» لمن لا يعرفها، هى منظمة تقدم خدمات التعليم والرعاية الصحية والمساعدات لملايين الفلسطينيين فى غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا، ولطالما كانت علاقاتها متوترة جدًا مع إسرائيل، لكنها تدهورت بشكل حاد منذ بدء الحرب فى غزة. وقد استطاعت الآلة الإعلامية والدعائية والسياسية لتل أبيب أن تؤثر على عدد من الدولة المانحة للأونروا، فجعلتها تتوقف عن التمويل، إلا أن العديد من تلك الدول تراجع عن قراره، بما فى ذلك بريطانيا.
وأظن أن استئناف الدول دعم الأونروا هو جزء من فهم أوسع لما تقوم به إسرائيل من تشويه للمنظمة، لا لشىء إلا لأنها تقدم دعمًا إنسانيًا لمئات الآلاف من الفلسطينيين، حيث قالت تل أبيب إن مئات من موظفى الأونروا أعضاء فى جماعات إرهابية، لكنها كالعادة لم تقدم أية أدلة لما تقوله.
ومنذ خرج خبر دعوة إسرائيل لتصنيف الأونروا كمنظمة إرهابية، تباينت الآراء، بين ساخر من الدعوة أو بالأحرى مشروع القرار، وبين أطراف تعاملت بجدية معه مثل منظمة التحرير الفلسطينية مثلًا التى دعت المجتمع الدولى إلى مقاومة محاولات حل الوكالة، حتى تستمر بدورها الإنسانى والأخلاقى تجاه شعب هو ضحية الاحتلال الإسرائيلى، وضحية حرب إبادة تشنها الآلة العسكرية لنتنياهو، حاصدة معها أرواح عشرات الآلاف من الشهداء.