بقلم : عبد اللطيف المناوي
تتسارع الأحداث فى سوريا بشكل مفاجئ وسريع، وأيضًا عسير على الفهم. حاولت فى الأيام الماضية أن أفهم معكم ماذا يحدث، ولا أدرى مَن سيسبق مَن، أن نفهم أم أن ينهار الوضع هناك تمامًا؟.
أبومحمد الجولانى، من قيادات القاعدة سابقًا، ثم من قيادات داعش سابقًا أيضًا، زعيم هيئة تحرير الشام، حتى الآن، ظهر أمس على CNN متحدثًا ومنظرًا ومطمئنًا للعالم. «ما بعد حمص لن يكون كقبلها»، هكذا وجّه رسالته. المزاج الأمريكى وحتى الإسرائيلى يقدم بأسلوب مختلف أبومحمد الجولانى، زعيم هيئة تحرير الشام، والذى يعتقدون أنه زعيم تحالف الفصائل المسلحة. صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عرضت صورة مكبرة له، وتحتها عنوان: أسوأ كوابيس الأسد. وقالت: «أصبح شمال غرب سوريا الآن خارج سيطرة الرئيس السورى تمامًا، ويرجع ذلك فى الغالب إلى التحالف السنى المعروف باسم هيئة تحرير الشام، وهى منظمة سلفية جهادية تترأسها شخصية مراوغة، قطعت الاتصال مع كل من داعش والقاعدة».
فى الأيام السابقة بدأت أطراف غربية تتحدث عن أهمية التوصل إلى حلول سياسية مع جماعات كانت تعتبرها حتى وقت قصير إرهابية، وتوقفت عن وصفها بالإرهابية، وأصبحت فصائل المعارضة المسلحة. وفى نفس الوقت ترسل الفصائل «المسلحة» رسائل لا تتمسك فيها بالعمليات العسكرية إلى النهاية، بل إلى حين قبول حكومة الأسد الانخراط فى عملية سياسية. وهذا أسلوب تتسم به «المعارضة» وليس من أساليب الميليشيات والجماعات الجهادية.
فى ٢٩ يونيو ٢٠١٤ ظهر أبوبكر البغدادى خطيبًا فى الناس بمسجد النورى بمحافظة الموصل العراقية، معلنًا قيام دولة داعش. وفى ٢٩ نوفمبر الماضى، بعد أكثر من عشر سنوات، ظهر أبومحمد الجولانى أمام قلعة حلب التاريخية بعد السيطرة على محافظة حلب، بزى غربى مرتديًا بنطلونًا وقميصًا، معلنًا السيطرة على حلب، صورة أرادها مختلفة. كان هناك ظهور آخر لـ«الجولانى»، ممسكًا بهاتفه المحمول، ويكتب تغريدة، مخاطبًا فيها العالم، وكأنه يريد أن يقول إننى على تواصل مع العالم. ثم أصدر بيانًا يُطمئن فيه سفارات الدول الأجنبية، والأقليات الموجودة فى المناطق التى سماها «المُحرَّرة»، وطمأن هذه الأقليات فى المحافظات التى لم تُحرر بعد، حسبما وصفها. ووقّع بياناته باسمه الحقيقى، أحمد الشرع، وليس «أبومحمد الجولانى»، وكأنه يعلن عن ميلاد جديد له.
لعل دعوته إلى حل هيئة تحرير الشام هى الفكرة الأهم والأخطر لفهم شخصيته، واستيضاح خلفياتها، التى تبدو مختلفة بطبيعة الحال عن أبوبكر البغدادى وأيمن الظواهرى ومن قبل أسامة بن لادن وغيرهم من قيادات الحركة الجهادية.
شخصية الجولانى شخصية براجماتية، تتمتع بذكاء شديد، هو الأطول عمرًا بين قيادات الحركة الجهادية التى كان جزءًا منها ومازال رغم محاولاته التنصل. وليس معروفًا بعد ما إذا كان المحركون للأحداث سينسون علاقاته مع داعش والقاعدة، وأنه كان موفدًا لـ«أبوعمر البغدادى»، أمير تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق، ثم لـ«أبوبكر البغدادى»، وبعد ذلك أيمن الظواهرى ومن قبل أسامة بن لادن قبل أن يُقتل الأخير أم لا، وهل سينجح فى أن يتكيف مع الظروف الدولية أم لا.