بقلم:عبد اللطيف المناوي
انتشرت على كثير من صفحات السوشيال ميديا صباح اليوم صورة حزينة لميدان التحرير ليلًَا وهو مظلم، وذلك فى إطار خطة الحكومة لتخفيض إنارة الشوارع والمحاور الرئيسية. وهو أحد المعالم التى تألقت مؤخرًا فى العاصمة المصرية بعد أن تمت إضاءته فى شكل جمالى متحضر.
الصورة حقيقية بالتأكيد، وفقًا لتأكيدات رئيس الوزراء بأن الحكومة بدأت بالفعل فى تطبيق الأمر، فأوقفت (مثلما قال فى تصريحاته) الإنارة الخاصة بميدان التحرير، وكذا بعض المبانى العامة، وقد شدد بيان الحكومة على أنه بدءًا من مطلع الأسبوع المقبل سيكون التطبيق الكامل والفعلى لخطة ترشيد استهلاك الكهرباء.
وقبل التطبيق الفعلى المنتظر أرى من جانبى أن نناقش الحكومة فى بعض الأمور الخاصة بخطتها الترشيدية، أولًا: إن مسألة تخفيض استهلاك الغاز ليست مصرية، بل بدأ العديد من بلدان العالم، وأولها ألمانيا، تطبيق خططها لتخفيض استهلاكها من الغاز، نظرًا لقلة الإمدادات المصدرة إليها وإلى بلدان أوروبا من روسيا، بعد العقوبات التى فرضها الغرب، وبالتالى اتباع موسكو سياسة عقابية بتقليل إمداداتها من الغاز عبر كثير من أنابيب التصدير.
ثانيًا: أوافق جدًّا على الترشيد فى الأطر المتبعة ولكن مع ضرورة تطبيق سياسة سعرية جديدة فى تصديره، وذلك لتعظيم الاستفادة من الغاز. وقد كان «حرقه» لإنتاج الكهرباء مقبولًا فى مرحلة ما لكن كان مهمًّا البحث عن بدائل طوال الفترة الماضية أقلها التوسع فى استخدام المازوت، وهو ما حدث مؤخرًا، ورفع كفاءة المحطات القديمة. تتم محاسبة وزارة الكهرباء على سعر الغاز بعُشر سعره فى السوق العالمية، وبالتالى فإن ما يحدث هو حرق للغاز، ويجب الالتفات إلى البدائل.
ثالثًا: أوافق جدًّا على مشروع ترشيد الاستهلاك وإظلام الشوارع، ولكن مع الأخذ فى الاعتبار أهمية بعض المناطق الجاذبة للسائحين، ومنها بالمناسبة ميدان التحرير الذى أظلم ليلة أمس. وأعتقد أن مثل هذه الصورة سوف تضر السياحة بشكل كبير، لا سيما السياحة العربية، والتى أرى ويرى القاصى والدانى حاليًّا أنها فى حالة رواج كبير لم نشهدها فى السنوات السابقة، وللأسف إن بعض أصدقائى من الدول العربية أرسل ليسألنى عن الصورة المتداولة، وكيف كان رد فعلها سلبيًّا للغاية على خططهم السياحية فى مصر. السائح العربى هو من يدفع أكثر فى الخدمات السياحية المباشرة وغير المباشرة. والقاهرة له هى المدينة التى لا تنام، إذًا سهر المدينة وإضاءتها وفتح المجال لبعض الأنشطة التجارية شكل من أشكال الاستثمار فى صورة مصر سياحيًّا. لذلك قد يكون من المناسب مراجعة هذا الجزء من القرار، وهو إظلام الميادين الرئيسية وإغلاق المولات والمطاعم وأماكن الجذب السياحى الحادية عشرة مساءً؛ لأننا بذلك نشطب بأيدينا جزءًا مهمًّا من السياحة العربية.
رابعًا: أوافق تمامًا على ما قاله رئيس الوزراء من أنه يريد أن يشعر المواطن بحجم الأزمة الكبيرة، التى يعانى منها العالم أجمع، وكذلك مطالبته المواطنين بالتعاون مع الدولة لتطبيق مختلف الإجراءات التى تهدف إلى ترشيد استهلاك الكهرباء، وأنه لا مكان لجملة «هى جت عليَّا»، ولكن أود أن يكون هناك إعادة نظر فى التطبيق، بحيث يكون منطقيًّا ومقبولًا فى مرحلته الأولى، بمعنى أن تبدأ الخطة بتخفيض الإنارة وقطع بعضها عن المصالح الحكومية، ثم تشمل فيما بعد بعض المناطق غير الرئيسية، مع وضع السياحة فى الاعتبار.
نعم، كلما خفضنا استهلاك الكهرباء وفرنا المزيد من العملة الصعبة، وهو ما يستلزم منا جميعًا العمل عليه، نظرًا لضبابية توقيت انتهاء الأزمة الحالية، ولكن من الضرورى ألا تؤثر قراراتنا على صورة مصر أمام العالم، خصوصًا أن الصورة الآن مهمة للغاية، لأننا لا نعيش بمعزل عن العالم، فالصورة تؤثر كثيرًا فى شكل الاستثمارات الأجنبية، وفى ثقة المستثمر بالدولة.
لا مانع من الترشيد، ولكن بلا تأثير على قطاع مهم كالسياحة. ليس الترشيد فى أن أمتنع عن الإنفاق فى أمور نخسر بسببها من ناحية أخرى