بقلم : عبد اللطيف المناوي
بمناسبة التسونامى الذى تتردد أنباء (معظمها كاذبة) عن اجتياحه شواطئ البحر المتوسط، فإن هناك تسونامى آخر أنباؤه ليست كاذبة، ولا يهدد شواطئ البحر المتوسط فقط، بل العالم كله. التسونامى المقصود هو تسونامى الجوع، حيث شهد العالم فى العام الماضى ارتفاعًا مقلقًا فى مستويات الجوع، حيث عانى نحو ٧٣٣ مليون شخص نقص التغذية، وفقًا لتقارير أممية.
أحد هذه التقارير هو تقرير أُطلق فى سياق اجتماع وزارى لمجموعة العشرين فى البرازيل، ويكشف هذا التقرير عن تراجع مقلق فى الجهود المبذولة لتحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول عام ٢٠٣٠، فعلى الرغم من التقدم المحرز فى بعض المجالات مثل التقزم والرضاعة الطبيعية، فإن مستويات الجوع قد عادت إلى نفس مستوياته التى كانت فى الفترة ما بين ٢٠٠٨ و٢٠٠٩، ما يعكس تأثيرات عميقة للأزمات الاقتصادية والجائحة العالمية.
ولعل أحد أبرز العوامل التى تسهم فى تفاقم أزمة الجوع هو الانخفاض المستمر فى الأمن الغذائى، الذى هو فى طريقه إلى العجز تمامًا عن تغطية احتياجات نحو ٢.٣ مليار شخص.
الأزمات الاقتصادية العالمية، الناجمة عن التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، تسهم بشكل كبير فى زيادة عدم المساواة وتعميق الفجوة بين الأغنياء والفقراء.. علاوة على ذلك، فإن النزاعات والصدمات المناخية تلعب دورًا مهمًّا فى دفع معدلات الجوع إلى مستويات تتخطى مجرد القلق.
فى ظل هذه الظروف، تكشف البيانات أن البلدان التى تعانى النزاعات والصدمات المناخية تسجل أعلى مستويات للجوع. على سبيل المثال، ارتفعت معدلات الجوع فى البلدان المتأثرة بالنزاعات من ٢٥٪ فى عام ٢٠١٨ إلى ٢٩٪ فى عام ٢٠٢٣، بينما ارتفعت فى المناطق المتضررة من الظواهر المناخية من ٣٢٪ إلى ٣٥٪ خلال الفترة نفسها.
لا شك أن ما يعانيه قطاع غزة بفعل الحرب الأخيرة من صدمات مروعة تخص التغذية تعدى أو فاق كل الحدود الإنسانية، إضافة إلى الوضع فى اليمن وسوريا، والذى يظل هو الآخر فى حدود القلق، حيث تبرز الحاجة الماسّة إلى استجابة فعالة للتعامل مع أزمات الجوع المتفاقمة.
من ناحية أخرى، نجحت دول مجلس التعاون الخليجى فى تعزيز أمنها الغذائى بفضل استراتيجيات التنوع الاقتصادى والقدرة على تأمين وارداتها.. ولكن، لتحقيق الأهداف العالمية، المتمثلة فى القضاء على الجوع بحلول عام ٢٠٣٠، يتطلب الأمر تعزيز التمويل وتنسيق السياسات الدولية بشكل أكبر.
ولأن فى قراءة التاريخ عبرة، فإن الجوع ليس قدَرًا محتومًا، بل يمكن التغلب عليه، من خلال استثمارات استراتيجية فى الأمان الاجتماعى وتطوير نظم غذائية أكثر استدامة ومرونة، وتحقيق هذا الهدف يتطلب تحديد أولويات واضحة من قِبَل صانعى السياسات وتطبيق استراتيجيات منسقة لضمان تحقيق تقدم حقيقى نحو القضاء على الجوع وتحسين الأمن الغذائى العالمى.