بقلم : عبد اللطيف المناوي
علاقتى بالقضية الفلسطينية، وبالتالى رموزها، هى علاقة قديمة. وأظن أن هذا هو الحال مع عدد لا بأس به من الزملاء. جزء مهم من تحقيق وجودنا الصحفى وإحساسنا بقيمة ما نقدم ارتبط بـ«قضية العرب الأولى» كما تربينا ونشأنا على هذا المفهوم.
حضرت المؤتمر الفلسطينى فى الجزائر عام ١٩٨٣، وبدأت علاقتى مع القادة الفلسطينيين على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم. التقيت «الختيار» كما كان يُسمى الزعيم ياسر عرفات من المحيطين به. كان اللقاء فجرًا فى أحد قصور الضيافة الرسمية فى القاهرة. بعدها التقيت الكثير منهم، فى مقدمتهم الرئيس أبو مازن الذى التقيته مرات عديدة فى رام الله والقاهرة وعواصم أخرى.. وقادة آخرين منهم خالد مشعل وجبريل رجوب، وناصر القدوة والطيب عبد الرحيم ومحمد دحلان، المرشح الآن بقوة أن يكون قائدًا للمرحلة المقبلة. من تكونت معهم علاقات ارتقى بعضها إلى الصداقة، حتى لو كانت هناك اختلافات فى الآراء والرؤى بيننا. لذلك لم أتحسس أو أرفض أن ألتقى إسماعيل هنية عام ٢٠١٩ فى مقر «المصرى اليوم» وأدير معه ندوة صحفية حضرها زملاء لى، ونشرناها وقتها بكل أشكال النشر المتاحة. وأظن أنه أعيد نشرها مؤخرًا بعد اغتياله.. وحسنًا فعل الزملاء.
اختلف استقبال خبر اغتيال هنية، وبدا ذلك واضحًا فى الرأى العام المصرى. نحن لم ننس ماذا فعلت حماس منذ ٢٠١١، ولم ننس شهداءنا على الحدود ولا الدعم اللا محدود لجماعة الإخوان المسلمين من أحد أجنحتها المهمة وهى «حماس».. لكن أكثر ما أقدره فى إدارة السياسة الخارجية المصرية هذه المرحلة هو ذلك الأسلوب «البراجماتى» فى التعامل مع الأطراف الخارجية. وترجمة ذلك أن مصلحة الدولة أكبر وأهم من الانسياق وراء الأحاسيس الإنسانية الطبيعية التى يحكمها مشاعر الغضب أو الارتياح، والقبول أو الرفض، وتاريخ العلاقة حتى لو مرت بمطبات أو مشكلات. قدرة القيادة السياسية على تجاوز ذلك والتعامل بمنطق المصلحة الوطنية ومصلحة البلاد- إضافة ومحل تقدير.
من ذلك المنطلق فهمت القبول باستقبال زعيم حماس فى واحدة من المنصات الإعلامية المهمة وقتها، وتفهمت أيضًا فى ذات الوقت الرفض والانتقاد الذى واجهته من أطراف عديدة من الرأى العام. وكما ذكرت منذ أسابيع قول تشرشل: «لا أعداء دائمين، ولا صداقة دائمة ولكن مصالح دائمة».
فى اللقاء الذى أشرت إليه مع إسماعيل هنية، تحدث فى أمور عدة، أظن أن أهمها كان الإعلان عن التزام حماس أنه لا مساس بالأمن القومى المصرى، وغير مسموح بالاجتهاد فى هذا الملف على الإطلاق، وقال من بين ما قال: «أريد أن أوجه رسالة للشعب المصرى من (المصرى اليوم) أننا لن نتهاون فى أى شىء يتعلق بأمن مصر». سواء كان ذلك حقيقة أو مناورة، فقد كان إعلانه على لسانه أمرًا مهمًا. وكان اللقاء مهمًا مع غضب من غضب وتفهم من أدرك أهمية سياسة فتح القنوات مع الجميع للمصلحة المصرية.