بقلم : عبد اللطيف المناوي
لو قُدر لى أن أضع عنوانًا للأيام الماضية، فلا شك أنه سيكون: «اثنان فيتو ضد أرواح العرب فى غزة ولبنان والسودان».
أمس الأول، استخدمت روسيا حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اقترحته بريطانيا، لوقف الأعمال العدائية فى السودان، والتمهيد لحوار يؤدى إلى خفض التصعيد، والاتفاق على وقف لإطلاق النار، وحماية المدنيين من الحرب المشتعلة هناك منذ إبريل ٢٠٢٣ بين قوات الجيش بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى).
ومنذ أيام، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية كذلك نفس حق النقض (فيتو) ضد قرار لمجلس الأمن الدولى يدعو إلى وقف فورى وغير مشروط ودائم لإطلاق النار فى غزة.
فى الفيتو الأول، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلى نيبينزيا، تعليقًا على (الفيتو) الأمريكى ضد غزة: «إن موسكو تشعر بالصدمة من هذا الفيتو، الذى يدعم جهودًا حقيقية لإنقاذ حياة الفلسطينيين والإسرائيليين، على السواء». أما فى الفيتو الثانى، فصرّح مندوب الولايات المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس جرينفيلد، تعليقًا على الفيتو الروسى ضد السودان: «إنه من المذهل استخدام روسيا حق النقض ضد جهود إنقاذ الأرواح، على رغم أنه ربما لا ينبغى لها ذلك، فروسيا عرقلت وأعاقت على مدى أشهر تحرك المجلس لمعالجة الوضع الكارثى فى السودان، ولعبت على كلا جانبى الصراع لتعزيز أهدافها السياسية على حساب أرواح السودانيين».
تخيل عزيزى القارئ أن الدولتين الكبريين فى العالم، أمريكا وروسيا، تستخدمان حق النقض لصالح إراقة المزيد من الدماء، وتتبادلان نفس الاتهام تقريبًا، وهى اتهامات صحيحة بالمناسبة، وتستخدمان تعبيرات مثل: «الصدمة والذهول» ضد بعضهما، بدون خجل أو خشية من نظرة (شرفاء) العالم إليهما!.
(الفيتو) الأمريكى ضد غزة لم يكن الأول من نوعه، فتاريخ واشنطن مع الفلسطينيين سيئ للغاية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بضربات إسرائيلية مثلما هو الحال الآن، الأمر الذى يجعل الأمريكيين حتى يرفضون إدانة حليفتهم تل أبيب. أما (الفيتو) الروسى فهو ليس الموقف المخزى الأول لروسيا فى حق شعب السودان، إذ امتنعت موسكو عن التصويت على قرارين سابقين، الأول، فى مارس الماضى، وكان قد دعا إلى وقف فورى للأعمال القتالية خلال شهر رمضان. والثانى فى يونيو الماضى، وكان يطالب بوقف حصار قوات «الدعم السريع» لمدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وطالب القراران معًا بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية بصورة كاملة وسريعة وآمنة ومن دون عوائق، ولكن كان لروسيا رأى آخر.
أيًّا كانت حجج الفريقين، التى هى بالتأكيد مرتبطة بمصالحهما فى المنطقة، إلا أن استخدام حق النقض بهذه الطريقة ضد أرواح المدنيين عار عليهما، حيث يبدو أن القوتين الكبيرتين فى العالم لا تستخدمان هذا الحق إلا ضد العرب وحياتهم.