بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى تاريخ العراق الحديث، الذى شهد العديد من التحديات والصعوبات، برزت قضية فساد ضخمة عُرفت باسم «سرقة القرن»، كشفت عن تعمق الفساد
رجل الأعمال «نور زهير» كان محور هذه القضية، وتحول إلى رمز لهذه الفضيحة. إذ أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد مذكرة بإلقاء القبض على «زهير»، وشخص آخر هو «هيثم الجبورى»، وكان من المقرر أن يحضر «زهير» وهو المتهم الأول بسرقة الأمانات الضريبية فى العراق إلى المحكمة التى انعقد له بالأمس (الثلاثاء)، لكنه لم يحضر. وأعطت السلطات مهلة له حتى التاسع من سبتمبر لمثوله أمام القضاء.
القضية- باختصار- هى اختلاس مبالغ ضخمة من أموال الدولة العراقية، التى كانت مخصصة لصندوق الضرائب. ووفقًا للمصادر العراقية، قُدرت الأموال المسروقة بنحو ٢.٥ مليار دولار، وهى واحدة من أكبر عمليات الاختلاس فى تاريخ العراق.
بدأت القصة عندما اكتشفت الجهات الرقابية أن هناك تحويلات مالية غير مشروعة لأموال الدولة إلى حسابات خاصة تتبع شركات وهمية وأشخاصا معينين. كان الهدف من التحويلات هو غسل الأموال والاستفادة من الفارق الكبير بين السوق الرسمية والسوق السوداء للعملات الأجنبية فى العراق. برز اسم «نور زهير»، وهو رجل أعمال عراقى، كأحد المتهمين الرئيسيين فى هذه القضية.
ووُصف «زهير» بأنه كان المحرك الرئيسى للعملية، حيث استغل علاقاته مع مسؤولين حكوميين وبعض العناصر الفاسدة داخل الأجهزة الإدارية لتحقيق مكاسب شخصية. وتشير التقارير إلى أن «زهير» قام بتأسيس شركات وهمية واستخدمها كواجهات لتحويل الأموال المسروقة من خزينة الدولة إلى حساباته الخاصة. هذه الأموال كانت فى الأصل مخصصة لصرف المستحقات الضريبية وتقديم الخدمات العامة، ولكنها بدلًا من ذلك انتهت فى جيوب الفاسدين!.
وبعد اكتشاف الفضيحة، بدأت السلطات العراقية حملة واسعة للتحقيق وملاحقة المتورطين فى «سرقة القرن»، وتم توجيه تهم الاختلاس وتبييض الأموال والفساد المالى لـ«زهير» وعدد من المسؤولين المتورطين.
التداعيات القانونية كانت كبيرة، إذ أصدر القضاء العراقى أوامر بمصادرة ممتلكات المتهمين والتحفظ على أموالهم داخل العراق وخارجه. والتعاون مع جهات دولية لتعقب الأموال المسروقة وإعادتها إلى خزينة الدولة. ومع ذلك، كان تحدى استرداد الأموال بالكامل كبيرًا بسبب تعقيدات تتعلق بغسل الأموال وإخفائها عبر شبكات مالية دولية.
القضية أثارت موجة من الغضب فى الشارع العراقى، حيث عبر المواطنون عن استيائهم من حجم الفساد المستشرى فى مؤسسات الدولة، لأنها تعكس حجم التحديات التى يواجهها العراق فى سعيه نحو بناء دولة القانون. وبينما تستمر المحاكمات والتحقيقات والجهود لاستعادة الأموال المسروقة، يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الفضيحة نقطة تحول حقيقية فى مكافحة الفساد فى العراق، أم أنها ستكون مجرد قضية بين عديد من القضايا التى تمر دون تغيير جوهرى فى المشهد السياسى والاقتصادى فى البلاد؟.