بقلم : عبد اللطيف المناوي
أزمات سياسية كبيرة.. حروب ونزاعات فى أماكن عديدة.. تغيُّر مناخى واضح.. وتطرف صاعد بشكل مخيف.. تحول من تطرف ميليشياتى جماعاتى إلى صعود وهيمنة يمينية على كثير من الحكومات.. كل هذا بالطبع له تأثيراته الاقتصادية التى يصفها الكثيرون بـ«القاتمة».
و«القاتمة» هو لفظ يُوحى بالشدة، فنقول أسود قاتم، أى شديد السواد، وهو وصف دقيق لحالة الاقتصاد فى العالم. وهذا ليس كلامى أو استنتاجى، بل هو استنتاج كثير من الاقتصاديين أثناء وبعد اجتماع صُناع السياسات العالمية فى مؤتمر (جاكسون هول) السنوى، الذى انعقد منذ أيام، حيث برزت المخاوف المتزايدة من تباطؤ النمو الاقتصادى العالمى، وازدياد المخاطر فى سوق العمل، ما سلّط الضوء على التغيرات فى السياسة النقدية العالمية، لاسيما مع تركيز البنوك المركزية الأمريكية والأوروبية على خفض أسعار الفائدة للتعامل مع ضعف الأسواق، وهذا ما أدى إلى تصاعد القلق حول تأثير هذه التحولات على الاقتصاد العالمى بصورة عامة.
فى أمريكا، يواجه صُناع السياسات تحديات كبيرة مع ظهور مؤشرات على ضعف الاقتصاد هناك، حيث أثارت بيانات سوق العمل الضعيفة المخاوف من الركود. وبينما كانت هناك تلميحات من البنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بخفض أسعار الفائدة، إلا أن الخبراء هناك حذروا من أن هذا التحرك قد لا يعيد الأمور إلى السياسات الطبيعية التى كانت عليها فى السابق.
أما ثانى أكثر قوة اقتصادية فى العالم بعد الولايات المتحدة، وهى الصين، فهى مستمرة أيضًا فى قلة معدلات النمو، إذ تواجه بكين أزمة اقتصادية متفاقمة، حيث أثرت الأزمات العقارية والديون المتزايدة على الاستهلاك المحلى، ما دفع البنك المركزى الصينى إلى خفض أسعار الفائدة بشكل غير متوقع.
الأزمة فى الصين تُشبه كرة الثلج التى تكبر شيئًا فشيئًا، وتتسع آثارها لتشمل اقتصادات ناشئة على مستوى العالم، فالوضع فى الصين مثلًا يثير قلقًا فى البرازيل، تلك السوق الناشئة التى تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الصادرات إلى الصين، كذلك منطقة اليورو، فإن ضعف الطلب الصينى أدى إلى ركود فى قطاع التصنيع وتباطؤ الصادرات، ما دفع البنك المركزى الأوروبى إلى النظر فى خفض أسعار الفائدة لتخفيف الضغوط الاقتصادية.
وعلى الرغم من التوقعات المتفائلة التى صدرت عن صندوق النقد الدولى بتحقيق نمو عالمى متواضع، إلا أن هذه التوقعات قد تكون مبنية على أسس هشة، مع شكوك متزايدة حول هبوط الاقتصادين الأمريكى والصينى، وعدم تعافى منطقة اليورو.
وسط هذه التحديات، يبدو أن الاقتصاد العالمى مُقبل على فترة من الاضطراب والتقلب، مع استمرار المخاوف بشأن مستقبل النمو الاقتصادى، والتى تجعلنا نتساءل: ما الحل إذن؟