بقلم : عبد اللطيف المناوي
شهدت بنجلاديش أحداثًا كبرى خلال الأيام الماضية انتهت بدفع رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة (٧٧ عامًا)، إلى الاستقالة ومغادرة البلاد.. إلا أن أبرز ما توقفت أمامه كان ذلك التصريح الذى أدلى به ابنها لـ«بى بى سى» قبيل مغادرتها، والذى أكد فيه أن والدته لن تعود إلى الساحة السياسية، وأنها محبطة للغاية بعد كل عملها الشاق، لأن الأقلية ثارت ضدها.
وهنا تذكرت تلك المكالمة التى حدثت بينى وبين الرئيس مبارك (رحمه الله) منتصف ليلة التاسع من فبراير عام ٢٠١١، والتى كان من بين ما قاله لى وإحساس المرارة يملأ نبرة صوته: «أريد أن نجرى حوارًا بعد نهاية الأحداث أقول فيه للناس ماذا فعلت للبلاد خلال ثلاثين سنة من حكمى».
لا أهوى المقارنات، فلكل بلد حكاية، ولكل بلد ظروفه الخاصة ومشكلاته وطبيعة ناسه، وربما لولا كلمة ابن الشيخة حسينة لما استدعيت الموقف.
رئيسة وزراء بنجلاديش الشيخة حسينة استقالت من منصبها وغادرت الإثنين الماضى، بعد سنوات عديدة قادت فيها البلاد تصل إلى نحو ١٥ عامًا. وكانت فترتها مليئة بالمتناقضات، لاسيما بعد أن حققت للبلاد نجاحات اقتصادية ملحوظة.. ومن جهة أخرى، واجهت تحديات سياسية وقضايا تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
منذ توليها المنصب فى عام ٢٠٠٩، قادت الشيخة حسينة بنجلاديش نحو نمو اقتصادى ملحوظ. فقد أصبح البلد واحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا فى المنطقة، متفوقة حتى على جارتها العملاقة الهند. وقد تحقق هذا النمو بفضل استثمارات ضخمة فى البنية التحتية، مثل مشروع بناء جسر بادما الذى بلغت تكلفته ٢.٩ مليار دولار. كما سجلت بنجلاديش تحسنًا ملحوظًا فى متوسط دخل الفرد، الذى ارتفع إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه فى السنوات السابقة على فترة حكمها. وبفضل هذه الجهود، خرج أكثر من ٢٥ مليون نسمة من تحت خط الفقر، وفقًا للبنك الدولى.
ومع ذلك، فإن المشهد لم يكن خاليًا من التحديات. فقد شهدت الدولة سلسلة من المظاهرات التى شكلت أكبر اختبار للشيخة حسينة منذ توليها الحكم. هذه المظاهرات جاءت بعد انتخابات مثيرة للجدل، حيث فاز حزبها بفترة رابعة على التوالى. وقد أدت هذه الانتخابات إلى دعوات تطالب الشيخة حسينة بالاستقالة، لكن الرد كان قاسيًا حيث وصفت المظاهرات بأنها «إرهابية»!
أما فى أعقاب وباء كورونا، فإن الوضع الاقتصادى لم يكن فى أفضل أحواله، وهو الأمر الذى أصاب كل اقتصادات العالم تقريبًا، إلا أن معارضة بلادها اتهمت حكومتها بسوء الإدارة، فضلًا عن أزمات تعلقت بحقوق الإنسان، حتى انتهى الأمر بما حدث من فرارها، واقتحام قصرها من المواطنين ابتهاجًا بهذا الخبر.
من جديد، أؤكد أن نموذج الشيخة حسينة مختلف تمامًا عن نموذج مبارك، وأن الحكم على الأمور يحتاج إلى وقت وملامح ليتشكل، وأن لكل بلد ظروفه، ولكل شعب أفكاره وطريقته فى التعبير والتغيير.