بقلم - عبد اللطيف المناوي
هل تمانع أمريكا قيام إسرائيل بعملية عسكرية فى رفح؟. الإجابة البسيطة المباشرة أن الرهان على الموقف الأمريكى بمنع عملية فى رفح هو رهان فى غير محله. الرفض الأمريكى يرفض عملية غير مدروسة بدقة، ولكنه ليس رفضًا مطلقًا للعملية. رغم التصريحات المنسوبة للمسؤولين الأمريكيين رفيعى المستوى حتى أعلاها، والتى تفيد بمعارضة أمريكا، فإن هناك استطرادًا واضحًا أحيانًا، خفيض الصوت أحيانًا أخرى، مثل الاستثناءات التى تُكتب فى العقود بخط صغير لا يُقرأ، لكنه ملزم. هذا الاستطراد يقول: «الولايات المتحدة لن تدعم مثل هذه العملية العسكرية دون تخطيط لأنها تتعلق بأكثر من مليون شخص لجأوا هناك، وكذلك دون النظر فى آثارها على المساعدات الإنسانية والمغادرة الآمنة للمواطنين الأجانب»، كما نُسب عدة مرات إلى رفيعى المستوى.
إذن موقف الإدارة الأمريكية واضح فى أكثر من مناسبة خلال الشهور الأخيرة بأنها ترفض شن عملية عسكرية فى رفح من دون تقديم بديل أو جهة يلجأ إليها النازحون لأن مثل هذه العملية بدون ذلك ستتحول إلى كارثة إنسانية دموية يدفع ثمنها الفلسطينيون كالعادة.
إسرائيل، خلال حربها المدمرة ضد قطاع غزة، أجبرت الفلسطينيين على النزوح من الشمال إلى رفح، واليوم تخطط ونتنياهو يخطط لاجتياح ويصر عليه، يبدو أنه سيقوم بعملية تجريبية ليقنع حلفاءه بأنه قادر على القيام بعملية فى رفح مع استيفاء الشروط. ويمكن اعتبار التحرك الإسرائيلى الأخير، أمس، بطلب إخلاء شرق رفح، واعتبارها منطقة عمليات وما يبدو من مقدمات أن هناك نية لعملية فى هذه المنطقة هى أشبه بما يُطلق عليه «pilot project»، أى عملية تجريبية محدودة يمكن تعميمها فى مراحل تالية. ما نراه الآن هو أن الفلسطينيين قد بدأوا بالفعل فى إخلاء المنطقة الشرقية من رفح تنفيذًا لتعليمات الجيش الإسرائيلى، عبر المنشورات والرسائل النصية، بالتوجه إلى المناطق التى أشار إليها الجيش الإسرائيلى، ولا يملك إنسان أن يلوم الباحثين عن النجاة بأرواحهم وأرواح أهلهم.
المتوقع أن تقوم إسرائيل بعملية محكمة فى هذه المنطقة لتقنع أمريكا بقدرتها على التحكم فى عملية أوسع مع إصابات محكومة بين المدنيين. مثل هذه العملية ستكون أحد عناصر الضغط فى مفاوضات الهدنة المتعثرة بين التحقيق والانهيار، وأيضًا تلبى الهدف الإسرائيلى بالاستمرار فى محاولة القضاء على حماس، وتكسير قدراتها الباقية فى رفح. وهو هدف ليس عليه اختلاف كبير بين إسرائيل وحلفائها. الملاحظ مؤخرًا أن إسرائيل قد استخدمت اقتحام رفح كموقف تفاوضى مؤخرًا، بحيث وضعته على طاولة المفاوضات باعتبار أن وقفها للعملية هو أحد عناصر التفاوض مقابل الإفراج عن الأسرى لدى حماس والجماعات الأخرى. وفيما يبدو فإن الهجوم الأخير على كرم أبوسالم، إضافة إلى المماطلة والتشدد بين الأطراف، قد تسببت فى إيقاف المفاوضات، وأيضًا دفعت إسرائيل إلى التعجيل بالبدء فى جزء من العملية، التى تحققت لها مجموعة من النتائج: الضغط فى المفاوضات، تطمين أمريكا بقدرتها على التحكم فى إصابات المدنيين بتخفيضها، إطالة عمر نتنياهو.