بقلم - عبد اللطيف المناوي
لكل (حتة) فى مصر حكاية غنية تحمل بين طياتها رائحة التاريخ وعلامات الحضارة الحقيقية، وهناك مناطق وشوارع وأماكن فى مصر احتفظت على مر العصور بتاريخها وجمالها. من بين هذه الأماكن حى المطرية، أحد أعرق أحياء القاهرة، بل من أقدم المدن المصرية، هذا الحى شهد مراحل تاريخية فارقة، وتعدد تأثيره سواء فى التاريخ المصرى أو التاريخ الدينى للعالم.
ارتبط حى المطرية برحلة العائلة المقدسة، حيث توجد به بئر السيدة العذراء، كما شهد أقدم دلائل على وجود الحضارة المصرية القديمة، ممثلة فى بقايا مدينة أون، عاصمة عصر ما قبل الأسرات، فالمطرية مدينة الرب والعلم عند الفراعنة، الرب لأنها كانت تضم مركز عبادة الشمس، والعلم لأنها ضمت مكتبات الفلاسفة وعلماء الفلك والرياضيات، إضافة إلى وجود جامعة أون، التى تأسست منذ نحو 5000 سنة، بالإضافة إلى ارتباط اسمها الفرعونى بقصة خروج النبى موسى من مصر.
اسم المطرية يعود إلى الحكم الرومانى، فهو اسم لاتينى من كلمة مطر (باللاتينية: Mattar)، وتعنى الأم، وذلك لمرور السيدة العذراء فيها، ولوجود شجرة السيدة العذراء فيها.
لماذا هذه المقدمة؟. لأقول إن الحضارة والثقافة تظل كامنة فى أهلها مهما مر عليهم من دورات الحياة. تظل الحضارة هى الكنز الذى لا يفنى ولا يمكن انتزاعه. من هذه الزاوية أنظر إلى إفطار المطرية، الذى بات مناسبة سنوية يقيمها سكان عزبة حمادة بالمطرية.
للسنة العاشرة على التوالى، يقوم سكان العزبة بإعداد حفل إفطار جماعى لسكان المنطقة شمل آلاف (البشر) دون تحديد لون أو جنس أو دين أو طبقة اجتماعية أو عنوان، لكن كما قال العزيز محمد منير: «يهمنى الإنسان». وهذه الثقافة الإنسانية لا تأتى من فراغ، ولكنها سلوك طبيعى على قاعدة الحضارة الحقيقية.
بطول ما يزيد على 1000 متر، تراصّت 750 مائدة، على 7 شوارع كاملة، حيث كان عدد الحاضرين حوالى 25 ألف مواطن من أهالى المطرية وخارجها، حيث قدمت سيدات وفتيات مصر الأصيلات أشهى أنواع المأكولات الشعبية، فضلًا عن الحلويات بجميع أنواعها، فى مشهد يتم الاستعداد له على مدار شهرين كاملين.
المشهد بات مألوفًا لدى سكان المنطقة، التى تشهد توافدًا جماهيريًّا من شتى بقاع مصر للمشاركة فى اليوم المشهود. المشهد صار طقسًا رمضانيًّا بامتياز، شهرته تتعدى مصر إلى العالم كله.
المشهد يجسد قيمة حضارية وإنسانية بالغة الأهمية، حيث كل ما قُدم على الموائد هو من صنع البيوت المتجاورة والمحال التجارية المشاركة فى هذا الحدث الاستثنائى الفريد، الذى أتمنى ألا يقتصر على رمضان فقط، بل يتعداه إلى أيام كثيرة فى السنة.
فى المطرية، مصر الحقيقية التى نتمناها، فى المطرية ظهرت قيم التكافل والتكاتف والحب والمودة بين الأهالى، بل ظهر شىء مهم كم نحتاج إليه هذه الأيام، وهو الفرحة.