بقلم : عبد اللطيف المناوي
لا أحد يستطيع التشكيك فى أن مصر تمتلك تراثا حضاريا وإنسانيا كبيرا، لا يمكن إنكاره، ولا يمكن إلا أن نفخر به.
ولهذا فإن مسألة إهدار هذا التراث بعمليات الهدم التى تطال مبانى قديمة ذات قيمة جمالية وتراثية وتاريخية، تحتاج إلى وقفة حقيقية، علمية بالأساس.
أقاويل انتشرت خلال الفترة الأخيرة، بينها حاد للغاية، وبينها موائم، إلا أنه لا أحد تحدث بهدوء وبشكل علمى وعقلانى، لهذا عندما قرأت بيان شعبة الهندسة المعمارية بنقابة المهندسين المصرية، وهم أهل علم وخبرة، قررت أن أطرحه معهم على الجميع، لعل هناك من يسمع ويناقش بعقلانية.
المهندسون فى بيانهم ناشدوا السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، التدخل الفورى لوقف تداعيات فقد التراث المصرى والرعاية المباشرة لمبادرات ورؤى الشعبة، والتى تحمل فى طياتها كل النوايا الطيبة، حسب قولهم.
المبادرة الأولى هى إنقاذ التراث، وتهدف إلى عدم تعطيل المشروعات التنموية فى ضوء دراسة تأثيرها على المواقع التراثية، لاتخاذ أحد قرارات التدخل السريع، أولا التوثيق الشامل للتراث محل التدخل، ثانيا دراسة تعديل المسار التنموى فى ضوء بدائل الطرح، وثالثا نقل القيم التراثية إلى الساحات والميادين، وعمل توضيح توثيقى بقيمة المنقول والتأكيد على تغير موطنه الجغرافى. وتستهدف هذه المبادرة مشاركة التنفيذيين وشركات المقاولات الكبرى والمتخصصين بالتراث العمرانى وإعادة التوظيف.
وهى مبادرة عقلانية للغاية وتحمل الكثير من الأفكار، وتفتح نقاشا مجتمعيا حول ما يحدث.
المبادرة الأخرى، التى قدمتها الشعبة فى بيانها، هى تشكيل لجنة استشارية دائمة لمتابعة التراث والإرث الحضارى وتداخلاته مع المشروعات التنموية، وتقوم تلك اللجنة بمناقشة ودراسة المشروعات التنموية ومدى تأثيرها على مناطق التراث الحضارى وبدائل الحلول لحماية الإرث الحضارى المصرى، وذلك لتوعية الرأى العام بالأساليب المتبعة لحفظ القيم التراثية. وتستهدف مشاركة الشعبة المعمارية بنقابة المهندسين المصرية، وجمعية المعماريين المصريين، وممثلى وزارات الإسكان والتعليم العالى والثقافة والسياحة والآثار. وهى أيضا مبادرة صالحة للمناقشة الجادة، وصالحة أيضا إلى ضم جهات أخرى تراها الدولة. أما المبادرة الثالثة فهى إقامة ورشة عمل متخصصة حول اقتصاديات التراث، تهدف إلى رسم خريطة واضحة لاقتصاديات التراث فى ضوء الموقع والنطاق الجغرافى للقيم التراثية وعلاقتها بالأنشطة والاستعمالات وقيم الأراضى للوصول إلى الاستعمال الأمثل اقتصاديا للمواقع التراثية وتحديد نهج التدخل بالحفاظ أو إعادة التوظيف أو حتى النقل. وتستهدف مشاركة المتخصصين بالتراث والتاريخ والمخططين ومتخذى القرارات الاستراتيجية لتنمية العمران.
المبادرة الأخيرة تستهدف توعية وتثقيف المجتمع بقيمة الإرث الحضارى وما يمثله من ذاكرة أمة وتاريخ يُسطر من خلاله المستقبل، وكذلك توعية ومناقشة لأبعاد المشروعات التنموية الكبرى، وما تستهدفه من حلول للعمران المصرى فى ضوء رؤية واضحة لمستقبل العمران. وتستهدف مشاركة المجتمع المحلى ومجتمع المعماريين ومتخذى القرار والتنفيذيين.
الحقيقة أن ما طرحته شعبة الهندسة المعمارية بالنقابة أمور مهمة وجديرة للغاية بالنظر، حتى لا نسير فى طرق متوازية لا متقاطعة، وحتى تتم الأمور وفق دراسة الأمر من كل جوانبه الإنسانية والتراثية والاقتصادية أيضا.