بقلم - عبد اللطيف المناوي
أن يُغيّر الإنسان أفكاره فهو قمة التحضر، لا عيب أن يراجع الإنسان نفسه كل فترة. يضع معطياته أمامه، يقسمها إلى سلبيات وإيجابيات، ثم يسعى إلى تحليل تلك المعطيات ليخرج بنتائج ونصائح قابلة للتطبيق، تؤثر فى النهاية على سلوكه العام، أو سلوكه تجاه قضية من القضايا.
وأعتبر أن الإنسان طالب حياة، وطالب تغيير دائم، ليس تغييرًا فى منظومة القيم والأخلاقيات والمنطق، بل تغييرًا فى السلوك والعادات والأفكار والتوجهات أحيانًا.
ليس بيننا الآن من بدأ بأفكار وانتهى بأفكار أخرى، ليس بيننا من انحاز لشىء ثم توجه إلى نقيضه. تلك هى سُنة الحياة.
والشعوب تتغير أيضًا، نراها سنوات صامتة هامدة، وسنوات هادرة وصارخة. تقف صفًا أحيانًا، وتنشق إلى عدة صفوف فى أحيان أخرى تبعًا للظروف والمعطيات المختلفة من زمن إلى زمن.
والتاريخ يعلمنا أن الشعوب انتقلت من حال إلى حال إلى حال آخر على مدار سنوات، وفى النهاية وصلت إلى مبتغاها، أو إلى ما تريده، أو حتى إلى ما نتصور أنها أرادته فى يوم من الأيام. وشعوب أوروبا خير دليل، فمن ينظر إلى القارة العجوز من أعلى، حيث الترابط والهدوء وقيم العمل والتحضر، لم يرها من أسفل منذ قرون، حينما كان يسودها الغليان والفقر والمرض، وقد نجحت الشعوب بفضل تغيير نفسها فى أن تكون ما صارت عليه الآن، وربما يمر التاريخ بدوال أخرى أكثر صعودًا أو هبوطًا.
أما الأنظمة فهى قابلة لأن تغير نفسها، فكل نظام ذكى فى العالم يجدد نفسه بشكل يضمن له الاستمرار فى التقدم نحو ما يريده من مصلحة المجتمع والشعب، يكتشف مكامن الخلل فيصلحها، ويدرك نقاط القوة فيزيدها ويركز عليها، والفارق هنا بين نظام وآخر هو مدى شجاعة هذا النظام فى إدراك الخطأ والإسراع فى تغييره، وبنفس المنطق الإقدام فى تعزيز وتقوية دعائم ما يراه صحيحًا.
أظن أن حركة التاريخ مستمرة، وأن منطق تغيير النفس أيضًا مستمر، وأعتقد أن لا أحد يكره أن يرى نفسه فى موضع أفضل وأكثر تطورًا ونماءً. أظن أن التناغم بين الجميع، على مستوى الفرد والمجتمع والسلطة، سيجعلنا نرى ما لم يره أحد فينا، فالجميع فى مركب واحد، يبحر فى مياه متغيرة بين موجات عاتية من الأزمات وفترات هدوء وسكينة، فقط نريد أن نستغل كل الظروف وكل الفرص لإصلاح ما يمكن إصلاحه، فقط نريد وقفة مع النفس لإعادة النظر فى أشياء كثيرة، من أجل مستقبل أفضل نستحقه.