بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى بلد يعانى من شلل سياسى وانهيار اقتصادى، يبرز الجيش اللبنانى كرمز للوحدة والاستقرار. وعلى مر العقود، تطور دور قائد الجيش ليصبح أكثر من مجرد منصب عسكرى، حيث يُنظر إليه كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية. ومع شغور منصب الرئاسة منذ أكتوبر ٢٠٢٢، برز اسم قائد الجيش الحالى، العماد جوزيف عون، كأحد أبرز المرشحين لتولى هذا المنصب الرفيع.
منذ استقلال لبنان عام ١٩٤٣، ارتبط منصب قائد الجيش ارتباطًا وثيقًا بمستقبل البلاد السياسى. فقد انتقل العديد من قادة الجيش إلى قصر بعبدا، بدءًا باللواء فؤاد شهاب عام ١٩٥٨، الذى جلب الاستقرار خلال فترة سياسية متوترة. تبعه رؤساء آخرون مثل العماد إميل لحود، العماد ميشال سليمان، والعماد ميشال عون، مما يعكس تقليدًا طويلًا فى انتقال القيادة العسكرية إلى القيادة السياسية.
هذا التقليد يرتكز على النظام الطائفى فى لبنان، حيث تُخصص رئاسة الجمهورية للمسيحيين الموارنة. ومن ثم، يصبح قائد الجيش، الذى يُختار عادة من الطائفة المارونية، شخصية توافقية تجمع ما بين التوازن الطائفى والاستقرار الوطنى.
تولى العماد جوزيف عون قيادة الجيش اللبنانى فى مارس ٢٠١٧، واكتسب احترامًا واسعًا لقدرة الجيش على البقاء محايدًا فى ظل بيئة سياسية شديدة الاستقطاب. وفى ديسمبر ٢٠٢٣، تم تمديد ولايته لمنع حدوث فراغ قيادى فى الجيش، فى ظل أزمة دستورية وأمنية غير مسبوقة.
عجز البرلمان اللبنانى عن انتخاب رئيس جديد منذ انتهاء ولاية ميشال عون فى أكتوبر ٢٠٢٢.
برز العماد جوزيف عون كمرشح قوى للرئاسة نظرًا لحياده ودوره كرمز للاستقرار. قيادته للجيش، الذى يُعد من بين المؤسسات القليلة التى لا تزال تتمتع بثقة الشعب اللبنانى، كما أن دعمه من شخصيات دينية وسياسية بارزة، بما فى ذلك البطريرك المارونى بشارة بطرس الراعى، عزز فرصه فى الوصول إلى قصر بعبدا.
فى حال انتخابه رئيسًا، سيواجه العماد جوزيف عون مجموعة من التحديات المعقدة، منه محاولة التعافى الاقتصادى، إذ يعانى لبنان من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية فى التاريخ الحديث. أيضا أصاب لبنان حالة من الشلل السياسى. النظام الطائفى والانقسامات العميقة بين القوى السياسية ستعقد أى محاولة لإحداث تغيير جوهرى.
سيكون عليه تحقيق توازن دقيق بين نفوذ حزب الله، الذى تراجع كثيرًا بعد الضربات الاسرائيلية، وبين القوى السياسية التى شاخت. وأيضًا الحفاظ على علاقات لبنان الدولية. ويظل التحدى الأكبر هو استعادة ثقة الشعب. سيتطلب الأمر خطة واضحة للإصلاح تعيد ثقة المواطنين بالنظام السياسى وجيشهم الذى كان يوصف بأنه ثانى أو ثالث قوة عسكرية فى لبنان.
إذا تم انتخابه، لن يكون العماد عون مجرد حلقة جديدة فى سلسلة قادة الجيش الذين أصبحوا رؤساء، بل سيصبح رمزًا للأمل فى بلد يبحث عن طريق للخروج من أزماته المتفاقمة.