بقلم - عبد اللطيف المناوي
الباحث فى العلاقات المصرية الإيطالية فى العصر الحديث سيجد معلومة متكررة، وهى أن العلاقات بين البلدين بدأت عام 1914، فى حين أن الدارس لتاريخ العلاقة بين الحضارتين (المصرية والإيطالية) سيكتشف أنها تعود إلى أزمنة ما قبل الميلاد، إذ بلغت ذروتها عام 30 ق. م بضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية.
العلاقة بدأت بين حضارات، وتطورت إلى علاقات بين دول. تتوتر علاقات الدول، وتبقى قاعدة الحضارات راسخة.
لذلك، ورغم حالة التوتر التى مرت بها العلاقات بين البلدين منذ عام 2016 بسبب قضية مقتل ريجينى، فإن ثقتى فى استعادة العلاقات لزخمها وقوتها لم تتراجع فى أى لحظة.
لقد حقق المتآمرون نجاحًا وقتيًّا عندما استغلوا القضية، فى الوقت الذى كان يزور فيه مصر أكبر وفد من الرسميين ورجال الأعمال الإيطاليين، وحاولوا ضرب العلاقة بين القاهرة وروما بعد ثورة يونيو لأن إيطاليا كانت من الدول الأكثر انفتاحًا ورغبة فى التعاون مع مصر، عكس الاتجاه الأوروبى العام وقتها لتسود حالة من التوتر، ولكن تحت حالة التوتر تلك حالة أخرى من إصرار أطراف إيطالية ومصرية على أهمية العمل على تجاوزها.
عندما التقيت بالسفير الإيطالى الحالى فى مصر، ميكيلى كوارونى، وجدته من أولئك الحريصين بقوة وصدق على استعادة العلاقات بين البلدين إلى المستوى الجدير بها. وقادتنى الظروف إلى أن ألتقى بأكثر من مسؤول إيطالى، من بينهم بييرو فاسينو، رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى البرلمان الإيطالى وقتها، والذى أبدى لى عند لقائى به منذ حوالى ثلاث سنوات رغبته الشديدة وجهده الكبير فى تجاوز البلدين لتلك الأزمة. وهى اللقاءات التى توافقت مع المعرفة المصرية وأيضًا مع الرغبة المصرية فى استعادة علاقات قوية وطبيعية. والحقيقة أن أثر توتر تلك المرحلة لم يؤثر فى كثير من أوجه التعاون بين البلدين.
منذ اليوم الأول، قلت للسفير ميكيلى كوارونى، الذى أصبح صديقًا عزيزًا، إن أهم إنجاز سيُحسب له فى تاريخه عندما ينجح وتنجح الجهود فى وقته وتعود المياه إلى مجاريها بشكل كامل.
والحقيقة التى أشهد بها أن الإنجاز قد تم، وقد شعر به الجميع، وقمة الإعلان عن هذا النجاح كانت فى حفل السفارة الإيطالية باليوم الوطنى، والذى لم يكن مجرد احتفال، فهو يحدث كل عام، ولكن أن يكون الاحتفال فى المبنى التاريخى للقنصلية الإيطالية فى وسط القاهرة، شارع 26 يوليو والجلاء، هو الدلالة الكبرى.
فالمبنى ذو طراز أوروبى، وهو عبارة عن مجمع كان يضم القنصلية الإيطالية والنادى الاجتماعى الإيطالى، والملحقية العسكرية، والمدرسة الدولية الإيطالية، وبجوار إحدى بواباته توجد لافتة تحمل اسم دانتى إليجرى، الشاعر الإيطالى، صاحب «الكوميديا الإلهية».
وتم وقف الخدمات القنصلية بعدما تعرض المبنى لحادث تفجير أمامه عام 2015. وللمرة الأولى منذ ذلك التاريخ، تفتح القنصلية التاريخية أبوابها، أمس الأول، لأصدقاء إيطاليا من المصريين، وكانوا كُثُرًا، لتدشن مرحلة جديدة من العلاقات بين الدولتين، وبدأ امتداد علاقات الحضارتين، وأيضًا العلاقة الخاصة جدًّا بين المصريين و«الطليان».