بقلم - عبد اللطيف المناوي
تُعرف الأحزاب اليمينية فى جميع الدول الأوروبية بدون استثناء بمعاداتها للمهاجرين من جميع الجنسيات، لذلك من المتوقع أن تتغير سياسة الاتحاد الأوروبى تجاه المهاجرين، ولاسيما فى الدول التى تعرف ارتفاع عدد المهاجرين من الدول العربية ودول جنوب الصحراء، كألمانيا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا. النتائج التى حققها اليمين المتطرف ستؤدى إلى خلق قوانين أشد تعسفية وتضييقًا على المهاجرين، الذين سيتعرضون لضغوط على مستوى الحقوق القانونية المرتبطة مثلًا بالإقامة والحصول على الجنسية، أو أيضًا على مستوى الحقوق المادية.
مثلًا، مشروع القانون الذى تقدم به اليمين المتطرف فى الجمعية الوطنية فى فرنسا، والذى يسعى إلى حرمان المتقاعدين من تعويضاتهم إن كانوا يعيشون خارجها. الهدف سيكون هو التضييق على المهاجرين فى كل الدول الأوروبية.
الاكتساح على مستوى البرلمان الأوروبى سيمنح اليمين إمكانية التنسيق والضغط على المستوى الأوروبى وليس داخليًّا فقط.
وتلعب الهجرة أيضًا دورًا محوريًّا فى جاذبية اليمين المتشدد، إلى جانب قضايا الحرب الثقافية كالإجهاض وحقوق المثليين. ومؤخرًا، أضافت الأحزاب الشعبوية الأوروبية الغضب من اللوائح البيئية إلى قائمة القضايا الساخنة التى تتبناها. التوجه نحو اليمين يعنى أن الاتحاد الأوروبى قد يكون أقل حماسًا للسياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، بينما سيكون حريصًا على التدابير الرامية للحد من الهجرة إلى الاتحاد الأوروبى.
وتطرح المكاسب التى حققها اليمين المتطرف فى الانتخابات الأوروبية أسئلة بشأن مسار السياسات الأوروبية فى المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق بمسائل مواجهة المساعى الأوروبية لزيادة الإنفاق الدفاعى الموجه لأوكرانيا، وأيضًا تشديد القيود على استقبال المهاجرين واللاجئين، والمطالبة بتقليص أعدادهم بشكل حاد. ويشكو الناخبون فى أنحاء الاتحاد الأوروبى منذ سنوات من أن عملية صنع القرار فى بروكسل معقدة ومتباعدة ومنفصلة عن الواقع اليومى، وهو ما يفسر فى كثير من الأحيان انخفاض نسبة المشاركة فى انتخابات الاتحاد الأوروبى نسبيًّا. يعزز زخم اليمين المتشدد «غياب البدائل الجذابة»، حيث المعتاد أنه فى أوقات عدم الاستقرار التى تتسم بالحروب والأوبئة والغموض الاقتصادى، عادة ما يلجأ الناخبون إلى الأحزاب التقليدية الحاكمة، لكن الواقع أن هذه الأحزاب التى كانت ملجأً فى الماضى تفككت اليوم فى العديد من البلدان وأصبحت عاجزة. الأحزاب اليمينية المتطرفة استغلت هذا الوضع وطرحت نفسها بديلًا، كما استغلت تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين كورقة انتخابية فى برامجها السياسية والانتخابية، خاصة فى ظل تراجع مستوى معيشة ورفاهية الشعوب الأوروبية. هذه الأحزاب استعملت أيضًا ورقة الصعوبات التى تمر منها الاقتصادات الأوروبية بعد فترة جائحة كورونا، والتى فاقمها الغزو الروسى لأوكرانيا، فى ظل ارتفاع الأسعار، وخاصة الطاقة والمواد الغذائية وغيرها من أجل الترويج لنفسها كبديل للأوروبيين. هذه الأحزاب لا تقدم أى حلول واقعية لإخراج دول الاتحاد الأوروبى من الأزمات الاقتصادية، لكن قوة خطابها الشعبوى يقوّى رصيدها لدى فئات من الأوروبيين.