بقلم -عبد اللطيف المناوي
يقول أجدادنا إن كل شىء يبدأ صغيرًا، إلا الحزن يبدأ كبيرًا ويصغر مع الأيام. كذلك الألم والغضب والانفعال. تذكرت هذا مع تلك البدايات الحرجة لقنوات إخبارية كانت حرب غزة موضوعها الوحيد تقريبًا، تقدم وتمارس من خلاله كل أشكال وقوالب العمل التليفزيونى والإعلامى.
وبعد مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على بداية الحرب بدأت حالة من الاعتياد في تعامل القنوات مع الحرب على الشاشة، ولولا العنف الإسرائيلى المفرط والتفنن اليومى في إيجاد أشكال جديدة لممارسة السادية على الفلسطينيين متحججين برغبة الانتقام، لولا ذلك لبدأت قصة غزة في التراجع خطوات إلى الوراء في ترتيب الأولويات. لكن العنف الإسرائيلى غير المسبوق حافظ على وضعها في صفوف الاهتمام الأولى.
أخشى أن حتى التزيّد الإسرائيلى في العنف نعتاد عليه، وبالتالى تتحول أخبار غزة- كما تحولت مرات عدة من قبل- إلى متابعة روتينية لعملية تدمير وقتل لشعب اعتدنا عليها عشرات السنين.
بغض النظر عمن يتحمل سبب إخراج شياطين العنف من مكامنها، وعدم وجود حسابات دقيقة، أو غير دقيقة، على رد الفعل المتوقع من إسرائيل- بغض النظر عن ذلك الآن فإن أحد الأهداف المهمة التي يجب أن تكون حاضرة هو كيف يمكن النجاح في الحفاظ على درجة اهتمام عالية بشأن الاعتداءات المستمرة على الفلسطينيين؟، كيف نستطيع أن تكون صورة الوضع في غزة متصدرة بنفس درجة الأهمية، سواءً لدى قنوات الأخبار والإعلام، أو في قلوب وعقول الضمير العالمى.
لأن الخوف كل الخوف أن نعتاد على شكل المجازر الدموية، وأن نعتاد على العنف، ويعتاد الفلسطينيون على أصوات القذائف والصواريخ بشكل يومى، ويعتاد سكان ما تبقى من بيوت هناك على سماع أخبار سقوط ضحايا من ذويهم، منتظرين دورهم في الموت. الخوف في أن تعتاد إسرائيل هي الأخرى القصف المستمر، فتنجح فيما بدأته.
أظن أن هذا الاعتياد هو هدف إسرائيلى خالص، تمارسه من أجل أن تصفى القضية بقتل وإنهاك الشعب الفلسطينى، فتصبح رغبته في البقاء على قيد الحياة هي هدفه الأول، لتتراجع فكرة إقامة الدولة إلى صفوف أخيرة من الأولويات، بل ويصبح الجلوس على مائدة المفاوضات أمرًا مستحيلًا.
في هذا الوقت لا نستطيع إلا التأكيد على ضرورة إيجاد حل سياسى ودبلوماسى لإنهاء هدف إسرائيل في أن تتراجع القضية إلى الصفوف الأخيرة في اهتماماتنا اليومية، من الضرورى أن تنجح الوساطات، وأن يفعل كل طرف ما في وسعه حتى لا تترك الأمور بلا حدود مثلما هي الآن، حيث يجب وجود خطط واضحة وتقسيم للأدوار من أجل الدفع للخروج من هذا المأزق، وإنهاء هذه المأساة التي سيحاكمنا عليها التاريخ.