بقلم - عبد اللطيف المناوي
«ذهبت السَّكرة وجاءت الفِكْرة»، وأظن أننى قد أصدم البعض بما سأقول، وأظن أيضًا أن البعض الآخر سيشاركنى الحالة. مع كل مشاهد الموت والألم والدمار تبدأ أعراض تلك الحالة من الانفصام والحيرة. لماذا حدث ما حدث؟ وهل ما فعلته حماس يساوى الثمن الذي يدفعه البسطاء من الملايين من الفلسطينيين الآن؟
أعلم تمامًا أن ما حدث هو التعبير المتوقع مما أطلق عليه «تمرد اليائسين»، وهنا أقصد الفلسطينيين، بعد أن سُدت أمامهم الطرق وعانوا كل أنواع التمييز والاضطهاد من المحتل الإسرائيلى، وبعد أن سئموا من ازدواج المعايير الصارخ الذي يمارسه كل المجتمع الدولى. وأيضًا تراجع أهمية قضيتهم من المحيط العربى.
لكن كل هذا لا يمنعنا من السؤال البسيط والمزعج: هل العملية التي بدأتها حماس بالهجوم على المستوطنات الإسرائيلية وقتل أكثر من 200 من الشباب الإسرائيلى الذي كان يحضر حفلًا موسيقيًّا، هل هذا كان أفضل الأهداف؟ هل حسبت قيادات حماس رد الفعل المتوقع على «أهلهم» في غزة نتيجة هذا الاستهداف؟ ألم يكن الأصوب والأكثر عقلانية التعامل واستهداف المواقع والأهداف العسكرية؟!.
أتابع ردود الفعل العالمية، وأدخل في نقاشات مع عدد من المهتمين والمتابعين في بريطانيا أثناء وجودى هناك، أستطيع أن أكسب جزءًا من النقاش عندما يدور حول التعنت الإسرائيلى والتخاذل الدولى. أكسب النقاش عندما يدور حول المعاناة والقتل والتدمير في غزة، واعتبار العنف الإسرائيلى في رد الفعل غير مبرر في درجته. ولكن عندما يصل النقاش إلى عملية حماس واستهداف المدنيين فإن الطرف الآخر يمتلك منطقًا في طرحه الرافض. وعند الحديث عن المكسب السياسى الذي يمكن أن تحققه عملية حماس، فإن منطقهم يكون أقوى، لأن الأبعاد السياسية الدولية لم تكن في حسبان من اتخذ القرار. أما على المستوى الغربى الرسمى فإن حالة «الهرولة» والتسابق والمزايدة على دعم إسرائيل هي السائدة والمسيطرة التي تُعمى أصحاب هذه المواقف عن رؤية كافة أبعاد القضية، ورؤية الجانب الآخر منها، والخاص بالقصف العنيف ضد غزة، وبالتالى التعاطف مع الألم والدم والتدمير الذي يواجهه الفلسطينيون.
أعلم أن هذا الحديث لن يلقى قدرًا واضحًا من القبول من قطاع عريض منا، وأعلم أن الطرح حول تضحيات الشعوب من أجل التحرر يلقى قبولًا بيننا. ويذكر بعضنا البعض بالمليون شهيد من أجل استقلال الجزائر. لكن كل هذا يتراجع وأنا أرى القتل والدمار وصرخات الألم من أهلنا في فلسطين.
لن يقبل البعض ما أقول، ولكنى أطلب فقط التوقف لحظات للتفكير. هي حالة انفصام لا أعلم إن كان القادم سيساعد على حسمها أم لا.