بقلم - عبد اللطيف المناوي
كما توقعت فإن ما طرحته أمس حول لماذا حدث ما حدث؟ وهل ما فعلته حماس يساوى الثمن الذي يدفعه البسطاء من الملايين من الفلسطينيين؟ فقد أثار ذلك تحفظات لدى عديد من الزملاء والقراء. أحدهم تساءل مستنكرًا: «لماذا حصر الكاتب ما قامت به حماس في الحفل الموسيقى؟».
لست هنا في مقام الدفاع أو رد الهجوم، ولكنى سأشرح ببساطة لماذا طرحت ما طرحت وأنا أعلم مقدمًا أنه سيكون صادمًا لكثيرين. هناك ما يمكن أن يُطلق عليه «الخطأ القاتل» وهو في أبسط تعريفاته ذلك الإجراء أو التصرف الذي يؤدى إلى خسارة كل المكاسب المتحققة أو المتوقعة ويقلب المعادلة التي هي معادلة انتصار، في حالتنا، إلى معادلة خسارة.
ويؤدى إلى إحباط التحركات الإيجابية ويدفع مرتكب الخطأ إلى منطقة الدفاع والخسارة. هو ببساطة تصرف خاطئ يؤدى إلى خسارة فادحة. سأتوقف عن الجزء الخاص بقتلى الحفل الموسيقى، لأنه ما توقف عنده البعض، فإن استهداف حماس تلك الأهداف المدنية، حتى بين الأعداء، يؤدى إلى خسارة التعاطف من اللحظة الأولى. هناك من يرى أن قتل المدنيين هو أمر يمكن فهمه وتبريره إذا ما استحضرنا الجرائم الإسرائيلية المستمرة تجاه الفلسطينيين العزّل من نساء وأطفال.
ولكن تقبّل هذا الطرح هو أشبه بالقبول بجريمة الثأر حتى لو كان على حساب أبرياء، بل إن للثأر قواعد تحكمه؛ فلا يؤخذ بالثأر إلا من الذكر البالغ الرجل القادر على حمل السلاح وعلى الدفاع عن نفسه. نتخيل لو اقتصرت هجمات حماس الأولى على الأهداف العسكرية والبنية التحتية، دعونا نتخيل لو لم يكن بين الضحايا فتيات وفتيان كانوا يلهون في حفل، قتلى من الأطفال أو أسرى من سيدات أو عجائز. ماذا لو كان الأسرى من العسكريين؟!.
مع الأسف خسرنا الموقف الدولى الداعم، أو على الأقل المحايد، وتسابق زعماء العالم في دعم إسرائيل بلا حدود، وكل منهم يحاول تثبيت «القلنسوة» على رأسه!. ومن بين ما وصلنى من رسائل أيضًا رسالة من د. عادل أحمد الديب يلقى فيها بلوم ما على المقاومة، فيشير إلى الطريقة الاستعراضية السينمائية للاقتحام والتباهى.
وطريقة تصوير الأسرى؛ فيؤكد أن ناتجها تعاطف العالم مع إسرائيل والتى ظهرت في ثوب الوديعة الضحية، بل أعطى إسرائيل الفرصة لاختلاق روايات اغتصاب النساء وقطع رؤوس الأطفال. ويضيف د. عادل أن الرواية العربية دائمًا مبالغ فيها للظهور أشرس من الواقع، والإسرائيلية دائمًا مبالغ فيها بأنها مستهدفة ومهيضة الجناح لتكسب الجولات التفاوضية.
أنهى هذا المقال وأنا وسط مظاهرة، أظنها الأكبر التي تشهدها شوارع لندن، تأييدًا لفلسطين وضد العنف والتجبر الإسرائيلى. ما حدث قد حدث، والآن يجب البحث عن كيفية إدارة الأزمة للخروج منها بالحد الاقصى من المكاسب المتاحة. أول ما يجب عمله هو كيفية البناء على الرأى العام الشعبى المستعد للتعاطف ليتحول فيما بعد إلى أداة ضغط.