بقلم - عبد اللطيف المناوي
(أمريكا تسقط. أمريكا تغرق. أمريكا تعانى).
بدأ العالم يلوك مثل هذه المصطلحات مؤخرًا لأسباب عدة، منها ما هو سياسى، ومنها ما هو اقتصادى، ومنها ما هو اجتماعى، وبعضها أحلام يقظة أو أمنيات انتقامية.
لكن هل هذا من الممكن أن يحدث؟. هل فعلًا الولايات المتحدة الأمريكية بكل هذا الصيت وهذه القوة يمكن ألا يكون لها وجود مؤثر فى العالم؟.
التاريخ يعلمنا ألّا نستبعد شيئًا مثل هذا، فكم من إمبراطورية قديمة كانت ذات صيت وقوة صارت أثرًا سمعيًّا بعد عين، فقادة روما فى القرون الوسطى أنفقوا ببذخ على الإدارة الإمبراطورية، فيما موّلت إسبانيا مغامراتها العسكرية وإمبراطوريتها الممتدة على مستوى العالم بالاقتراض المكثف من الخارج والضرائب المرتفعة، كما أدى الإنفاق الحربى للإمبراطورية البريطانية فى القرنين الـ18 و19 إلى ارتفاع الديون، إذ وجدت الدولة العظمى حينها نفسها غير قادرة على تحمل الإنفاق المطلوب للحفاظ على قوتها ووحدتها الداخلية. وكثير من النماذج الأخرى.
ولكن الغريب فى الأمر أن تنبؤ السقوط بدأ هو الآخر يزحف إلى الداخل الأمريكى، وتحديدًا وسائل الإعلام ذات الشهرة الواسعة عالميًّا، ومنها على سبيل المثال صحيفة «وول ستريت جورنال»، التى أفردت منذ أيام تقريرًا مطولًا عنوانه: «هل ستغرق الديون الإمبراطورية الأمريكية؟»، مستشهدة فى ذلك بنماذج لإمبراطوريات سقطت شرقًا وغربًا متأثرة بالديون المُميتة!.
هناك بعض الأرقام التى حملها التقرير من المهم للغاية أن نعرفها:
28 تريليون دولار هو حجم الدَّيْن الوطنى المتراكم فى أمريكا.
892مليار دولار يجب أن تدفعها الحكومة الأمريكية خلال العام المالى الحالى كمدفوعات للفائدة على الدَّيْن، ما يعنى أن مدفوعات الفائدة تتجاوز المبلغ الذى أُنفق على الدفاع، بل يطابق الإنفاق على الرعاية الطبية!، وما أدراكم ما أهمية الرعاية الطبية بالنسبة للمواطن الأمريكى!.
الصحيفة الأمريكية أكدت أنه قبل 12 عامًا بلغ إجمالى الدَّيْن الحكومى نحو 70% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، بينما سيعادل الدَّيْن هذا العام الناتج المحلى الإجمالى بالكامل، فى حين من المتوقع أن يصل بحلول عام 2028 إلى مستوى قياسى يبلغ 106% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يعادل الرقم القياسى الذى تم تسجيله خلال الإنفاق الكبير لتمويل الحرب العالمية الثانية!.
ومع اقترابنا من الانتخابات الأمريكية، التى يتنافس فيها وجهان قديمان، بدأ كل واحد منهما يلعب على هذا الوتر الحساس، فالجمهوريون، الذين يمثلهم ترامب، وعدوا الناخب الأمريكى بخفض الضرائب، بينما أعد الديمقراطيون، الذين يمثلهم بايدن، نظامًا ضرائبيًّا وعد الناخب بعدم زيادة الضرائب على الأسر التى يقل دخلها عن 400 ألف دولار سنويًّا.. فضلًا عن وعود أخرى لكلا الحزبين تتعلق بالإنفاق العسكرى على أوكرانيا وإسرائيل وغيرها مما يحتاجه البيت الأمريكى نفسه.
الوضع هناك ربما يكون صعبًا، وربما تصدق حركة التاريخ، وربما يصدق المحللون.. ولكن فى إمكان الدولة الأمريكية أن تنتشل نفسها من هذه الأزمة، إن امتلكت الأدوات والقادرين على الاستخدام الصحيح لهذه الأدوات.