بقلم - عبد اللطيف المناوي
تظل مصر محظوظة بأبنائها، هم الثروة الحقيقية والدائمة، القادرة على المرور بها عبر المراحل الصعبة. تظل الموارد الطبيعية محدودة، ويظل العنصر البشرى الخلاق هو المورد المتجدد لهذا البلد.
هذه هي الفكرة التي تملكتنى وأنا أتابع صالون معهد التخطيط القومى، الذي جمع اثنين من نتاج الجين المصرى المتجدد بعقول أبنائه، الدكتور أشرف العربى، رئيس معهد التخطيط القومى، وزير التخطيط والتعاون الدولى الأسبق، الذي قام بدور المحاور للدكتور محمود محيى الدين، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة؛ ورئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية؛ ورئيس جمعية الشرق الأوسط الاقتصادية، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعنى بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030؛ ورائد الأمم المتحدة السابع رفيع المستوى المعنى بتغير المناخ والمدير التنفيذى بصندوق النقد الدولى، هذا في حدود ما أعلم. وكلاهما من ذخيرة مصر في أبنائها.
كان اللقاء تحت عنوان: «الحروب والديون والعملة الصعبة»، وهو امتداد لسلسلة من المقالات المهمة التي أسهم بها دكتور محيى الدين مؤخرًا، واستهدف بها تسليط الضوء على الدور المستقبلى للدولار الأمريكى، في ظل تباعد مسارات التعافى الاقتصادى، وتصاعد قوى جديدة مدفوعة بأوزان اقتصادية، فضلًا عن الآثار المتوقعة للحروب والديون.
كثيرون ممن حضروا توقعوا حديثًا ساخنًا كعنوان المحاضرة، والبعض أتى ليستمع إلى رؤية مَن تردد اسمه في إطار الترشيحات أو التمنيات لتولى منصب أو دور تنفيذى خلال المرحلة المقبلة.
ورغم أن اللقاء لم يأتِ متوافقًا مع التوقعات الأكثر إثارة، فإنه كان لقاء مهمًّا لما احتوى على تحليل عميق لتطور الاقتصاد في اتجاه الأزمات والخروج منها، وطرح آراء علمية صالحة للربط دائمًا مع الواقع.
ومن أهم ما توقفت عنده من بين ما طُرح على مدار حوالى الساعة ونصف الساعة، لم يمل فيها الحضور من الطرح الجاد، أن محددات نمو الاقتصاد العالمى ترتكز على محاور عدة، من بينها الابتكار والتنافسية، والمستوى التعليمى، والاستقرار الأمنى، ونمو رأس المال البشرى، واستقرار العملة، والتأكيد على أن أسس إدارة السياسة العامة ترتكز على أهمية التفرقة بين الثوابت والمتغيرات، والتمييز بين الآمال والطموحات القابلة للتنفيذ.
لفت نظرى أيضًا الحديث حول هيمنة الدولار المستمرة، رغم انخفاض نسبته في إجمالى الاحتياطى الدولى، فإنها الأعلى بما يعادل ثلاثة أمثال نصيب اليورو، الذي يمثل 20 في المائة من إجمالى الاحتياطى الدولى، وفسر دكتور محيى الدين رؤيته في استهداف التضخم على استهداف سعر الصرف بأن ذلك يأتى في ضوء تمتع الدولة بقاعدة إيرادات واسعة، وعدم اعتماد الحكومة على ريع الإصدار النقدى في إيراداتها، إلى جانب عمق أسواق المال وكبر دورها في تعبئة الموارد المحلية، ووضع الدَّيْن العام تحت السيطرة، وكذلك تحجيم الاقتراض الحكومى من البنك المركزى.