بقلم - عبد اللطيف المناوي
مفهومٌ أن يصوت قاضٍ إسرائيلى ضد أربعة من الإجراءات المؤقتة، التى طالبت جنوب إفريقيا باتخاذها ضد تل أبيب فى محكمة العدل الدولية، ومفهومٌ أيضًا أن يصوت هذا القاضى الإسرائيلى لصالح تطبيق إجراءين من تلك الإجراءات، هما: توصيل المساعدات إلى غزة، ووقف التحريض العلنى على العنف. وقبوله هذين الإجراءين قد يكون عملًا بمبدأ ذَرّ الرماد فى العيون، أو حتى ربما يكون موقفًا حقيقيًّا باعتبار أن توصيل المساعدات ووقف التحريض إجراءات لا يستطيع إنسان أن يعارضها فى حرب راح ضحيتها الآلاف من أبناء غزة.
لكن أن تأتى من شرق إفريقيا قاضية من أجل أن تصوت ضد كل الإجراءات المؤقتة، فهذا أمر يثير الريبة والبحث فى الوقت ذاته.
خلال اليومين الماضيين، امتلأت المواقع الإلكترونية العربية بأخبار وتقارير حول تلك القاضية الأوغندية، واسمها جوليا سيبوتيندى، وذلك بعد معارضتها كل الإجراءات المؤقتة، التى طالبت بها (جارتها فى القارة) جنوب إفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية، لدرجة أن الحكومة الأوغندية ذاتها تبرأت من هذه الفعلة، ما دعا مندوب أوغندا الدائم لدى الأمم المتحدة إلى تأكيد أن موقف القاضية لا يمثل سياسة حكومة أوغندا بشأن الوضع فى فلسطين.
فى حيثيات تصويتها ضد الإجراءات، أكدت القاضية الأوغندية أن اختصاص محكمة العدل الدولية يقتصر على اتفاقية الإبادة الجماعية، ولا يمتد إلى الانتهاكات المزعومة للقانون الإنسانى الدولى. وبغض النظر عن رأيها، الذى ترتكز فيه على سند قانونى، إلا أن الانتقادات التى طالتها تتركز فى صعوبة أن يرفض شخص يحمل صفة (الإنسانية) إجراءات مثل إدخال مساعدات لشعب مُحاصَر، تم تهجير أغلبه، أو الوقوف ضد التحريض العلنى على العنف، أو مطالبة دولة بتجنب أفعال الإبادة الجماعية!.
كان من المقبول أن يكون هذا الموقف من إسرائيل مثلًا، أو من دولة لم ترَ ويلات الحرب، ولكن القاضية الأوغندية بالتأكيد شهدت الحرب الطاحنة، التى اندلعت بين بلدها أوغندا وتنزانيا فى السبعينيات والثمانينيات، وكذلك من المؤكد أنها شهدت ويلات الحرب الأهلية فى بلادها، والتى حدث خلالها تطهير عرقى دفع ثمنه آلاف من بنى جنسها.
الأمر الوحيد الذى قد يبرر موقفها هو ما حدث أثناء الحرب الأوغندية التنزانية، حيث كانت منظمة التحرير الفلسطينية حليفة للجنرال الأوغندى عيدى أمين، وقد أرسلت المنظمة حينها بعض رجالها لمساعدة الجيش الأوغندى ضد الجيش التنزانى والقوات الأوغندية المعارضة لـ«أمين»، والذى انتهت الحرب إلى إبعاده. ربما تكون القاضية قد اتخذت موقفها بسبب هذا الموقف التاريخى. وهى هنا حتى تكون قد حادت عن جوهر فكرة القضاء لأن انحياز القضاة مع أو ضد بناءً على موقف هو قمة العار وعدم المسؤولية.
الحقيقة أننى أحاول أن أبحث لتلك القاضية عن مبرر لأن ما قالته حول اختصاص محكمة العدل الدولية يتنافى مع موقفها فى قضايا جرائم حرب مماثلة، ومن ضمنها قضية ضد الرئيس الليبيرى تشارلز جانكاى تايلور، أو غيرها.