بقلم - عبد اللطيف المناوي
بدأت، أمس، فى محكمة العدل الدولية، وقائع جلسات الدعوى التى أقامتها جنوب إفريقيا، واتهمت فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، معتبرة أن الهجوم الذى شنته حركة حماس فى السابع من أكتوبر لا يمكن أن يبرر ارتكابها هذه الجرائم فى قطاع غزة.
استمعت المحكمة لكلمة ممثل جنوب أمام المحكمة، رونالد لامولا، كما استمعت للمحامية بالمحكمة العليا لجنوب إفريقيا، عادلة هاشم، التى نقلت وجهة نظر بلادها فيما يحدث فى غزة، مؤكدة أن بريتوريا تعتبر أن إسرائيل انتهكت المادة الثانية من اتفاقية (الإبادة الجماعية)، بارتكاب أفعال تندرج ضمن تعريف الإبادة الجماعية.
وتُظهر الأفعال نمطًا منظمًا من السلوك يمكن من خلاله استنتاج الإبادة الجماعية، بل إن العمليات العسكرية الإسرائيلية قد دفعت السكان إلى حافة المجاعة، وسط توقعات دولية بأن ضحايا العدوان سيزدادون جراء الجوع والمرض.
وركز ممثلو جنوب إفريقيا أمام المحكمة على بعض الوقائع، ومنها أن إسرائيل تُخضع الشعب الفلسطينى للفصل العنصرى، وأن النظام الدولى فشل فى منع حدوث إبادة جماعية فى غزة، مؤكدين فى الوقت ذاته إدانتهم لفعلة حماس من استهداف المدنيين واحتجاز الرهائن فى السابع من أكتوبر. وقد طلبت جنوب إفريقيا- على لسان ممثليها- مبدئيًّا أن تأمر المحكمة بالوقف الفورى للهجوم العسكرى الإسرائيلى على قطاع غزة.
وقائع جلسات الاستماع مستمرة إلى اليوم الجمعة، حيث استمعت المحكمة لمبررات جنوب إفريقيا لإقامة الدعوى أمس، ثم تستمع لرد إسرائيل اليوم، ومن المتوقع أن يدفع ممثل إسرائيل بنفى ارتكاب بلاده الجريمة، واعتبارها دفاعًا عن النفس، على أن تصدر المحكمة حكمها هذا الشهر، وسواء كان الحكم فى صالح الشعب الفلسطينى أو فى غير صالحه، فإن إسرائيل اعتادت بشكل صارخ الاعتداء على كل القرارات الأممية، وانتهاك كل القوانين الدولية.
إن إصدار قرار من المحكمة باعتبار أن ما ترتكبه إسرائيل جريمة إبادة لن يفيد الفلسطينيين فى شىء، إذ تمتلئ أدراج أهلنا الفلسطينيين بعشرات من القرارات الأممية ضد إسرائيل، والتى لم تحترمها تل أبيب، لكنها ستكون بمثابة اعتراف من مؤسسة أممية بحق الشعب الفلسطينى فى العيش بأمان، فى ظل رأى عام عالمى ينظر بعين واحدة للقضية، حتى إنه يمنع المتجمهرين أمام المحكمة من رفع الأعلام الفلسطينية، فى مقابل ترك الإسرائيليين يرفعون أعلامهم كما يشاءون!.
فكرة إقامة الدعوى من دولة جنوب إفريقيا فى حد ذاتها مكسب للفلسطينيين خلال اللحظة الحالية لأنها أولًا دولة ليست عربية، وبالتالى فإن دفوعها ومصداقيتها فى الطرح ستكون ذات قيمة لدى هيئة المحكمة، فضلًا عن أنها دولة خاضت تجربة الفصل العنصرى من قبل، وهو ما يعطيها الخبرة فى طرح القضية بالأساس.
وسواء كان الحكم فى صالح الفلسطينيين أم فى غير صالحهم، فإن محكمة التاريخ لا تزال منعقدة، وسوف تستمر فى انعقادها لسنوات وسنوات حتى يقضى الله أمرًا فيكون مفعولًا.