بقلم - عبد اللطيف المناوي
حتى عام أو عامين على الأكثر، كان الحديث عن الذكاء الاصطناعى وكأنه حديث عن مقدمات لتحول مهم في العالم، وأن هذا التحول أمامه أعوام إن لم يكن عقودًا قبل أن يكون واقعًا حقيقيًّا. نمنا واستيقظنا لنجد ما توقعناه بعد عمر، قد لا نراه نحن، أصبح واقعًا نعيشه. واقعٌ يخشاه البعض إلى حد الرعب ويتفاءل به البعض الآخر وكأنه كل المستقبل.
في إحدى جلسات مؤتمر دافوس الأخير، تحدث أحد خبراء الذكاء الاصطناعى، مشيرًا إلى أن هذا ليس وليد الأشهر القليلة الماضية، ولكنه بدأ منذ عقود. وأظنه هنا يخلط بين بدايات قيام الآلة بتكرار ما تفعله بناء على أوامر محددة إلى اكتساب الآلة القدرة على التعلم من التكرار، وإدراك إمكانية تطوير ما تعلمته حتى حدود محاكاة القدرات البشرية، ولو بنقص واضح من صفات البشر العاطفية، يعوضه تطور أكبر في قدرات تطوير أسلوب التفكير والسرعة والدقة المصاحبة لذلك التعلم. قد يكون هذا الوصف به تبسيط، لكن لا أظنه مُخِلًّا.
قدرات الذكاء الاصطناعى تبدو واضحة في منطقة تطوير القدرات الإنتاجية والصناعية بما ينعكس على سوق العمل في العالم بشكل عام. لكن يظل القلق جاثمًا ومتمكنًا في منطقة القدرة على التأثير في قرارات ومقدرات دول ومجتمعات لقيادتها في اتجاهات مغايرة للرغبات الحقيقية لهذه المجتمعات. وهذا يفسر ذلك القلق الكبير الذي يسود العديد من دول العالم حول إدارة الانتخابات التي ستجرى في ربع دول العالم تقريبًا خلال الأشهر القادمة.
الأمر الآخر مثار القلق هو قدرة الذكاء الاصطناعى على خداع الأسواق. يجب ألّا ننسى أن هذا الذكاء ما هو إلا مخرجات لمدخلات إلى أجهزة كمبيوتر، ومَن يتحكم في المدخلات بالتأكيد يملك التأثير في النتائج. وهنا التخوف الذي يسود الأسواق.
وتظل المعلومات المضللة والكاذبة ودور الذكاء الاصطناعى فيها، بانتحال الصفات، وسرقة الهويات، والتلاعب في المعلومات، واختراق نظم اتخاذ القرارات المؤثرة في الاقتصاد والسياسة والأمن والمجتمع هي الخطر الأعظم، الذي مازال يحتاج إلى جهد لتجنب آثاره السلبية.
عديد من الدول أدركت منذ فترة طويلة نسبيًّا أهمية الذكاء الاصطناعى القادم، لذلك بادرت باتخاذ الإجراءات الاحتياطية التي تعكس إدراكها واهتمامها بالقادم، حتى إن بعض هذه الدول أوجدت وزارة للذكاء الاصطناعى. وأظن أنه حان الوقت كى نعتبر أن هذا التغير مهم ونهتم به الاهتمام الذي يليق به. لذلك حتى لو كان التشكيل الحكومى القادم سيتجه نحو تقليل عدد الوزارات، إلا أننى أدعو إلى أن تكون هناك وزارة تختص بالذكاء الاصطناعى كوزارة مخصصة أو ملف نعرف مَن سيتولاه.