بقلم - عبد اللطيف المناوي
قلت كثيرًا هنا إن ما أقدمت عليه قيادات حركة «حماس» فى السابع من أكتوبر 2023 هى مغامرة غير محسوبة العواقب، وعدم حسبان عواقب اليوم هو ما جعل غزة الآن أشبه بمدينة أشباح من كثرة عمليات الدمار والإبادة التى تنتهجها آلة الحرب الإسرائيلية.
وقلت فى مرة أخرى، وهنا أيضا، إن إسرائيل تقدم على مغامرة غير محسوبة العواقب بتعريض علاقتها مع مصر للخطر، وجاء الوقت لأقولها من جديد، إن تل أبيب مازالت مستمرة فى هذا الأمر بعد الحادث الأخير الذى وقع على الحدود، بدون الخوض فى تفاصيله، انتظارًا لنتائج التحقيقات التى تجريها السلطات المصرية.
بدا لى تماما أن نتنياهو يكتب سطرا جديدا فى خطاب نهايته، بل فى خطاب زيادة التوتر فى المنطقة، فهو أكبر المسؤولين عن تعريض العلاقات المصرية الإسرائيلية للخطر. فمصر كانت أول بلد عربى وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل فى عام 1979، وهى الاتفاقية التى شكلت حجر الزاوية فى استقرار المنطقة لفترة طويلة. ومع ذلك، يبدو أن إسرائيل غير عابئة بإعادة الاستقرار من جديد، ولهذا أشعر بقلق كبير حول المستقبل القريب.
نعم، الحادث الأخير ليس هو السبب الوحيد، ولا حتى عندما كتبت لأول مرة عن تلك المغامرة، حيث كانت تل أبيب تشكك فى نوايا مصر بخصوص فتح معبر رفح، فضلا على استمرارها فى إفساد مفاوضات وقف إطلاق النار التى ترعاها مصر خلال الفترة الماضية، للحد الذى صرح مصدر مصرى رفيع المستوى فيه أن القاهرة لا مانع عندها من مراجعة اتفاقية السلام، وهو ما جعل إسرائيل فى حالة غليان أخرى.
شئنا أم أبينا، فإن مصر تتعاطف تاريخيًا وعروبيا وإنسانيا مع القضية الفلسطينية، إذ لعبت دور الوسيط فى العديد من النزاعات فى الصراع العربى الإسرائيلى، ومع ذلك، فإن الأعمال العسكرية الإسرائيلية الأخيرة فى غزة ورفح تحديدا، تضع مصر فى موقف الأكثر انحيازًا للفلسطينيين، بل أيضا تضع مصر فى موقف المتحفز للدفاع عن أمنه القومى، الذى تعرضه حكومة نتنياهو للخطر.
إسرائيل ستخسر بخسارة مصر، هذا لا شك فيه عندى، فأى توتر سياسى يمكن أن يؤثر سلبًا على كثير من الشراكات الحيوية بين البلدين، فضلا عن الغضب المتزايد فى الرأى العام المصرى، والذى بالتأكيد سيدفع إلى تدهور العلاقات بشكل واضح.
أقول وأكرر، إذا لم تتخذ إسرائيل خطوات جدية للتهدئة وإعادة النظر فى سياساتها، فقد تجد نفسها فى مواجهة مع مصر، بكل ما تحمله من ثقل إقليمى، وكلمة دولية قوية، ورأى عام موحد خلف قيادتها وأرضها عند الإحساس بأى خطر. أقول وأكرر إن لم تسع إسرائيل إلى عرقلة خيالات نتنياهو، فإن ذلك سيؤدى إلى عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمى. هذه ليست نصيحة لإسرائيل من أجل عيون إسرائيل، بل من أجل المنطقة بأكملها.