بقلم - عبد اللطيف المناوي
ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط بعد السابع من أكتوبر يحتاج إلى دراسات عديدة لاستيضاح المواقف، ومحاولة استشراف المستقبل، الذى تبدو ملامحه غير واضحة. مؤخرًا، أُتيحت لى قراءة كتاب فى غاية الأهمية عنوانه «الكوابح والمحفزات.. حروب الشرق الأوسط»، الصادر عن مركز «المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة»، من تحرير أحمد عليبة، واشترك فى تأليفه عدد كبير من الباحثين والخبراء من الوطن العربى، الذين قدموا رؤية بانورامية لصراعات الشرق الأوسط، ولاسيما بعد تطور الصراع فى المنطقة، ووجود قوتين علـى استعداد لإعادة تشكيل الإقليم بالقوة.
أعجبتنى جدًّا، فى الفصل الأول (لحظة حرجة.. إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟) لأحمد عليبة، مسألة تقسيم قوى المنطقة إلى أربع كتل رئيسية: أولاها كتلة التصادم، وتمثلها القوى المنخرطة فى الحرب (إسرائيل وإيران)، وثانيتها كتلة تحالف الدفاع، (أمريكا ويمكن إضافة بريطانيا وفرنسا إليها)، وثالثتها كتلة الاتزان، وهى الأطراف العربية (الخليج ومصر تحديدًا)، وهى القوة التى تسعى دائمًا إلى الحد من تداعيات الحرب فى المنطقة، وتسعى كذلك إلى تبريد الموقف قدر المستطاع.
ورابعتها كتلة المتضررين المباشرين، وهى أطراف تطولها الآثار الجانبية للصراع مثل لبنان بسبب انخراط حزب الله فى الحرب، وكذا سوريا واليمن، وربما تكون مصر أيضًا من بينها بسبب حدودها مع غزة.
أما فى الفصل الثانى (استراتيجية اللااستراتيجية.. سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط) فعرضت الصحفية هبة القدسى استراتيجية كل رئيس أمريكى فى التعامل مع منطقة الشرق الأوسط بكل دقة، ووضح فعلًا ما أطلقت عليه لفظ استراتيجية اللااستراتيجية فى تعاطى كل رئيس مع أزمات المنطقة. وقدمت «القدسى» عرضًا شيقًا لسيناريوهات ما قد يحدث فى علاقة أمريكا بالمنطقة حال فوز بايدن بولاية ثانية، وحال فوز ترامب. وأغلب الدراسات التى اعتمدت عليها الباحثة تؤكد أن أهم ما قد يحدث فى الحالة الأولى، (حال استمرار بايدن)، أن يكون هناك اتفاق تطبيعى بين قوى معينة فى المنطقة، أما حال وصول ترامب، فإنه يصعب التنبؤ بتصرفاته.
(الثابت والمتغير.. الإدراك الإسرائيلى لمفهوم الحرب) هو عنوان الفصل الثالث، الذى كتبه الخبير الأمنى المصرى سعيد عكاشة، ويتناول مستقبل العقيدة القتالية الإسرائيلية، التى انهارت بعد السابع من أكتوبر، وما إذا كانت ستعدل منها أو تغيرها. ومثلما قدم «عكاشة» فصلًا عن الكيفية التى يفكر بها الإسرائيليون، قدم العميد خليل الحو فصلًا حول (استراتيجيات إيران فى الشرق الأوسط) أو كما أطلق عليه عنوان (محركات الفوضى)، الذى انطلق من سؤال رئيسى، وهو هل تستمر إيران فى سياسة الوكلاء مستقبلًا؟.
ولا ينفصل ما قدمه «الحو» عن دراسة د. إحسان الشمرى: (إدارة التوازن الهَشّ.. العراق ومصير الوجود الأمريكى الإيرانى)، باعتبار أن العراق هو النموذج الأكثر وضوحًا لإدارة الصراع فى المنطقة، وكذلك دراسة الباحث حسام رمدان عن الحالة اليمنية، باعتبار أن اليمن هو نموذج كذلك لإدارة الصراع فى المنطقة، ولكنه النموذج الأكثر إيلامًا بسبب الانقسام الواضح فيه، والتدخل الإيرانى الأكثر تأثيرًا.