بقلم - عبد اللطيف المناوي
استمرارًا لمناقشة أزمة هجرة الأطباء، وهى أزمة جادة، فإننى هنا أستحضر ما نشرته جريدة «واشنطن بوست» ٢٦ فبراير الماضى، فى تقرير بعنوان «الأطباء الشباب يهاجرون من مصر بحثًا عن وظائف أفضل بالخارج». اللافت للنظر فى هذا أن إدراك وجود الأزمة تجاوز الحدود لتهتم به مؤسسات إعلامية دولية، حتى لو كان فى النفوس أغراض. استعرضت الجريدة تجارب أطباء مصريين تواصلت معهم، فذكرت على لسان طبيب مصرى، عمره ٣٤ عامًا: «لم أفكر مرتين عندما جاءنى عرض للعمل بمستشفى فى بريطانيا، فالراتب هنا يعادل ٤٠ مرة ما كنت أتقاضاه فى مصر»، ويضيف الطبيب أنه بعد سنوات قضاها فى الدراسة والتدريب ليعمل فى مستشفى حكومى فى مصر، يجد كامل دخله ما يعادل ٣٠٠ دولار شهريًا.
ونقلت الصحيفة عن طبيب شاب، عمره ٣٤ عامًا، يعمل طبيب مقيم أمراض باطنية بمستشفى بشيكاغو فى أمريكا، قوله: «تركت العمل الحكومى فى مصر بعد عمل عدة أسابيع فقط، وسافرت إلى السعودية عام ٢٠١٧ وعملت ممارسًا عامًا فى وحدة رعاية صحية أساسية، استطعت خلالها ادخار ٢٠ ألف دولار، مكنتنى من السفر إلى أمريكا للحصول على ترخيص مزاولة المهنة».
وتسأل جريدة «واشنطن بوست» طبيبة عمرها ٢٨ عامًا، تعمل فى مصر، فتجيب: «راتبى الشهرى يكفى بالكاد تكلفة مواصلاتى والإفطار، أعمل ٧ أيام فى الأسبوع وكثيرًا ما أبيت فى المستشفى».
إدراك الأزمة أول خطوة فى علاجها. ولا يكفى القول إننا كدولة نفعل أفضل ما يمكن، وليس فى الإمكان أفضل مما كان، أو يخرج متحدث يشير إلى خطط زمنية فيها ما لا يمكن فعله، أو أن يصرح مسؤول بأن على شباب الأطباء تقديم التضحيات طواعية، فالحكومة تتحمّل ٩٩.٩% من تكاليف دراستهم، كما قال مسؤول سابق فى وزارة الصحة.
صحيح أن الدولة فعلت ذلك، ولكن لابد من البحث عن طرق صحيحة للحفاظ على الثروة التى تصنعها الدولة فى شباب مؤهل لا يجد أمامه أمل أو فرصة إلا تجاوز الجانب الأخلاقى فى الالتزام نحو الدولة التى تحملت أعباء تعليمه، ويبدأ فى البحث خارج إطار الوطن عن فرصة حياة أفضل.
مصر بحاجة ماسة إلى عدد أكبر من الأطباء. منظمة الصحة العالمية أكدت أن معدل الأطباء فى مصر بالنسبة للمواطنين هو ٧.٠٩ طبيب لكل ١٠ آلاف مواطن، بينما الحد الأدنى المقبول هو ١٠ أطباء لكل ١٠ آلاف مواطن. وأن نقارن بدول أخرى يصل المعدل فيها أكثر من ذلك بكثير، مثل أمريكا التى يصل معدلها إلى ٣٥ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن، وفى السويد ٧٠ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن، وهناك دول أقل من مصر فى المستوى الاقتصادى، معدل الأطباء بها أعلى من مصر، مثل الجزائر يوجد ١٧ طبيبًا لكل ١٠ آلاف مواطن، وبوليفيا ١٠ أطباء لكل ١٠ آلاف مواطن.
ومازال الحديث مستمرًا