بقلم - عبد اللطيف المناوي
الكثيرون يحملون ألقابًا، قليلون منهم يستحقونها. الكثيرون يشغلون الفراغ بحضور زائف، يمرون دون أن يلحظهم أحد، حتى لو احتلوا واجهة المشهد عن غير حق بشكل يومى ودائم، وهناك مَن يفرضون قيمتهم وحضورهم على المدى الطويل. يحفرون لأنفسهم ملمحًا فى وجه تاريخ فنهم.
عاصرت وزاملت، صغيرًا وقتها، أحد أساطين الكاريكاتير فى العالم العربى. لن أقول أفضلهم، ولكنه أحد المعلمين البارزين فى هذا الفن. هذا الفنان المعلم هو محمود كحيل. يسير بيننا فى مكاتب جريدة «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» فى لندن يحمل تلك الابتسامة الهادئة الجميلة، وننتظر كل يوم كيف سيعبر ويصرخ وينتقد ويحلل برسمه دون كلمة برسمه الكاريكاتورى، الذى يظهر فى صحيفة الشرق الأوسط صباح كل يوم. كانت لديه القدرة على التعبير بلا حدود متجاوزًا كل احتمالات الرقابة دون أن يستخدم كلمة.
عبدالرحمن الراشد، الصديق العزيز، والذى ترأس تحرير المجلة والجريدة وقت أن كان يرسم فيها «كحيل»، قال عن قدرة «كحيل» على اختصار القضايا الكبرى: «إنه كان يفعلها كل يوم ببضعة خطوط، ودون تعليق، كانت رسوماته تقص القصة، تبسط المعقد، وتعبر عن المهمش والغائب، وتوقظ الضمائر»، وأن «كحيل»: «أعطى الكاريكاتير العربى قيمة ومكانة، حيث إن مجتمع الصحافة العربية أصبح يدرك أن الكاريكاتير السياسى يملك تأثيرًا كبيرًا على عقول القراء، الذين قد لا يقرأون كل ما يُكتب فى الصحيفة، لكنهم لا يمكن إلا أن يطالعوا الرسم الساخر، ويتفاعلوا معه». وأضاف: «كنا ندرك أن مكانة الصحيفة من قيمة فنانها، مثل كحيل، الذى منحنا فى جريدة (الشرق الأوسط) ومجلة المجلة الاحترام، والتقدير، والمكانة الرفيعة».
هذا التقديم الذى طال هو تمهيد للحديث عن فنانة حقيقية كلما شاهدت رسوماتها يوميًّا ذكّرتنى بمحمود كحيل. من القلائل الذين يحملون لقبًا يستحقونه الفنانة دعاء العدل، رسامة الكاريكاتير، التى تزاملت معها فى هذه الصحيفة «المصرى اليوم». لم نلتقِ كثيرًا، لكنى كنت حريصًا على متابعة ما ترسم كقارئ قبل أن أكون مسؤولًا عن الصحيفة. أعجبتنى دائمًا رسوماتها وأفكارها وخطوطها. وكيف تعبر عن الفكرة، فى معظم الأوقات، فقط بالرسم.
هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» وضعتها ضمن قائمتها، التى تحوى 100 من النساء الأكثر إلهامًا وتأثيرًا لعام 2016، وهذه شهادة اعتراف من إحدى أهم المؤسسات الإعلامية فى العالم بمقدرة فنانة مبدعة وصاحبة دور اجتماعى مؤثر فى العالم كله.
تُذكرنى «دعاء» فى جزء من أعمالها بـ«كحيل». ما أهمس به فى أذنها هو ألّا تدفعها ضغوط العمل والوقت والحياة إلى أن تلجأ للأسلوب السهل باستخدام النكتة المكتوبة التى يرافقها رسم. قيمة فنان الكاريكاتير الحقيقى فى قدرته على التعبير بالرسم بقوة وحرية.